تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد تبيّن بجلاء من خلال هذه الغزوة، ومن خلال الآيات التي تناولتها، حقيقة النصر وكونها بيد الخالق سبحانه، قال تعالى: {وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم} (الأنفال: 10)، وأن النصر لا يتم إلا باستتمام أسبابه كلها، فليست القوة وحدها هي مفتاح النصر، ولو كانت كذلك لكان النصر من نصيب المشركين الذين فاقوا الصحابة عددا وعُدّة، وبذلك نرى أن المسلمين عندما استكملوا أسباب النصر وأتمّوا شروطه تحقّق لهم النصر في هذه المعركة.

وأسباب النصر التي جاء التنبيه عليها تتعلّق بتقوى الله عزوجل والطاعة لأوامر الوحي، والصبر عند ملاقاة العدو والثبات أثناء المعركة، وإخلاص النيّة في القتال، إضافة إلى ضرورة البعد عن أسباب الشحناء والاختلاف، وأهمية الإكثار من ذكر الله عزوجل قبل وأثناء المعركة، والتأكيد على إعداد العدّة والأخذ بكافّة الأسباب الممكنة للمواجهة، والتوكّل على الله عز وجل بعد الأخذ بكافّة الأسباب الحسّية والمعنوية، وكل هذه الأسباب مبثوثة في عدد من الآيات كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} (الفرقان: 29)، وقوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين، ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس} (الأنفال: 45 - 47)، وقوله سبحانه: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} (الأنفال: 60).

ويأتي الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى في مقدّم الأسباب المحقّقة للنصر، ويظهر أثر ذلك في موقف النبي – صلى الله عليه وسلم – في هذه المعركة وإلحاحه في الدعاء حتى سقط عنه رداؤه.

وبعد أن استكمل المسلمون شروط النصر وأسبابه رأينا التدابير الإلهيّة التي ساقها الله تعالى، فجاء المدد الإلهيّ بالملائكة لمساندة المؤمنين، وجاء التثبيت القلبي الذي رفع من معنويّاتهم، ونزل المطر ليكون سبباً من أسباب النصر والتأييد بما حقّقه من أثر في تطهير القلوب والأجساد وتثبيت الأقدام، وكذلك للنعاس الذي تغشّى المؤمنين قبل المعركة كان له أثره في شعورهم بالأمن والطمأنينة.

ومن الفوائد والتوفيقات الإلهية، تقليل المؤمنين في أعين الكافرين، لأنه لو كثّرهم في أنظارهم لعدلوا عن القتال، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله {ليقضي الله أمرا كان مفعولا} (الأنفال: 44)، وفي هذه الحالة لن يتأهب المشركون كل التأهب فيستهينوا بقدرات خصومهم، وفي المقابل فإن تقليل المشركين في نظر المسلمين مع تواضع إمكاناتهم وقلّتها أسهم في زيادة ثقتهم بأنفسهم.

كما جاءت النصوص القرآنيّة المتعلّقة بهذه الغزوة لتلقي الضوء على قضيّة الغنائم من جميع الجوانب، مبتدئةً ببيان حقيقة كون المال لله سبحانه وتعالى، وأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إنما هو مستخلفٌ عليه، لا يحقّ له التصرّف فيه إلا بأمر إلهي، ونلمح هذا من خلال إضافة الغنائم لله ورسوله في قوله تعالى: {قل الأنفال لله والرسول} (الأنفال: 1)، ثم جاء توجيه النظر إلى تقوى الله سبحانه وتعالى والتزام الطاعة، ونبذ الخلاف والاختلاف، كالذي حصل في تلك الغزوة.

وفي إباحة الغنائم بيان لمكانة أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – ورحمته بها، حيث أباح لها الغنائم لمّا علم عجزها وضعفها، وقد كانت محرّمة على الأمم السابقة، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لم تحل الغنائم لأحد سود الرؤوس من قبلكم، كانت تنزل نارٌ من السماء فتأكلها) رواه الترمذي.

ثم جاء التفصيل في كيفيّة توزيع الغنائم في قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} (الأنفال: 41).

ومما يُستفاد من هذه الغزوة، أن العدل والتواضع سببان رئيسيّان في محبة الجند للقائد، فقد رأينا كيف يدعو النبي – صلى الله عليه وسلم – أحد أفراد الجيش للاقتصاص منه حين ظنّ بأنّع قد أوجعه وهو يسوّي الصفوف، فترك ذلك الموقف أثراً كبيراً في نفس الصحابي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير