تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولقد بارك الله في أوقات أستاذنا فكان يجعل شطرا من المحاضرة للنقاش والحوار، وشطرها الآخر لتدوين وتقييد تلك العلوم، وكان الأستاذ كعادته، ـ وعلى غير عادة كثير من الأساتذة ـ يملي علينا محاضراته بأسلوبه السهل الجزل الغير معقد الخالي من التكلُّف من حافظته دون الرجوع إلى الكراسات والدفاتر، وهذا دليل آخر على أنه مدرك لما يقول محيط بالمسألة التي هو بصدد الحديث عنها ومناقشتها.

كما أن الأستاذ "خالد كبير علال" آية في حفظ التواريخ والأحداث وأسماء الأعلام والبلدان والكتب وغيرها، كما هو آية في الذكاء، يجيب على البديهة جوابا محكما، وكأنه يقرأ من كتاب.

...

أدركت الآن بنفسي أنَّ الأستاذ "خالد كبير علال" مميز بكل معنى الكلمة، وليس كسائر الأساتذة، ولا كسائر الدَّكاترة، فهو جادُّ مخلص للقضية التي يؤمن بها، مثالُ في الجد والإجتهاد والمثابرة، والنزاهة والموضوعية.

كان ـ حفظه الله ـ ولايزال يصرف سائر أوقاته في المطالعة والبحث والتأليف، وتكوين الأساتذة والأجيال، إنه بحر زاخر وجهبذ من جهابذة الجزائر، يكتب في المسألة الواحدة الصفحات الكثيرة والطويلة، حتى أنه لا يمل من الكتابة، يكتب جالسا ما شاء الله أن يكتب، فإذا شعر بالتعب أو أحس بالألم، لا يرتاح وإنما يكتب واقفا، ثم يكتب ماشيا، حتى أنه يكتب مستلقيا على ظهره أو على جنبه، وهذا يعرفه كل من درس على الأستاذ أو جالسه واستفاد منه.

وأجزم أنه لا يوجد كتاب في "المكتبة الوطنية" خال من بصمات الأستاذ "خالد كبير علال" فقد فلاها فليا، ونظر في كل كتبها، وأحاط بها احاطة البحر بالجزر، والهالة بالقمر، فليس هناك مصدر من مصادر التاريخ الإسلامي إلا نظر فيه، واستفاد منه، يقرأ كثيرا لعلماء مدرسة أهل الحديث، كابن تيمية، وابن القيم، والذهبي وابن كثير وغيرهم.

كان يثير استغراب الناس من حوله، حين يرونه وهو في الحافلة يكتب واقفا أو جالسا أو متَّكئا، رغم سير الحافلة واهتزازها.

وقد أثمرت مطالعاته بأن حاز على شهادة الدكتوراه في زمن قياسي ـ مدة أربع سنوات فقط ـ وكانت حول "الحركة العلمية الحنبلية و أثرها في المشرق الإسلامي، خلال القرنين السادس و السابع الهجريين "

والأستاذ بعيد كل البعد عن حب الظهور والتصدر والرياسة، فليس له همُّ إلا العلم والإستزادة منه، وهو بعيد عن كل المناصب الإدارية ليتفرغ لخدمة الطلبة وتكوينهم التكوين الجيد، وتوجيههم التوجيه السليم، يعمل بإخلاص متقنا لعمله، متفانيا فيه، يقول رأيه ووجهةَ نظره صراحة بلا مراء ولا مداهنة أو مداراة ولو أثارت استغراب البعض أو نفورهم.

وهو مع هذا حريص على نصرة الحق، غيور على السنة محبُّ لها، شديدٌ على البدعة وأهلها، لا يخاف في الله لومة لائم، وحين رأى أن معظم الطلبة يدرسون في وحدة ما قبل التاريخ نظرية "دارون" حول التطور والإرتقاء، ألَّفَ في دحضها كتابا قيِّما عنوانه "الداروينية في ميزان الإسلام والعلم" كي لا يغتَّر الطلبة بهذه النظريات، وهذا من غيرته على الإسلام، ونصحه للطلبة.

...

ولد الأستاذ "خالد كبير علاَّل" يوم التَّاسع من شهر ماي سنة 1961 بالجزائر، وتحصل على شهادة الماجستير سنة 1996، من جامعة الجزائر، وكان موضوع الرسالة: "الحركة الحنبلية و أثرها في بغداد (ق: 3 - 5هـ) "، وحاز على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي سنة 2003 من جامعة الجزائر وكان موضوعها ـ كما أشرت قبل قليل ـ: "الحركة العلمية الحنبلية و أثرها في المشرق الإسلامي، خلال القرنين السادس و السابع الهجريين"، وهو الآن يشغل منصب أستاذ محاضر ودائم بالمدرسة العليا للأساتذة في الآداب و العلوم الإنسانية بالجزائر العاصمة، وأستاذ مؤقت بقسم التاريخ بجامعة الجزائر.

والأستاذ "خالد كبير علال" له الكثير من المؤلفات التي لم تر النور بعد، وهي تعد بالعشرات، والمطبوع منها قليل، أهمها "أخطاء المؤرخ ابن خلدون في كتابه المقدمة", "صفحات من تاريخ أهل السنة و الجماعة في بغداد (ق: 2 - 3 هـ) "، - "الأزمة العقيدية بين الأشاعرة و أهل الحديث –خلال القرنين:5 - 6 الهجريين-"، كما أن له تحت الطبع كتاب "التعصب المذهبي في التاريخ الإسلامي" وكتاب "رؤوس الفتنة في الثورة على عثمان". كما أن له مخطوطا ينتظر النشر عنوانه: "مقاومة أهل السنة للفلسفة اليونانية –خلال العصر الإسلامي"

...

أكتب هذه الشهادة في حق أستاذنا الجليل "خالد كبير علال" وأنا مجرد فرد واحد سعدت يوما ما بلقاءه والتتلمذ على يديه، أكتبها شهادة لله وللتاريخ، أملاها حبُّنا له وإعجابنا به وتقديرنا واحترامنا له، وأعلم جيِّدا أننَّي مقصِّر ـ ولا شك ـ في حقه، وربما يستطيع غيري ممن صحبه ولزمه أن يسجل له أكثر مما سجلت له من المواقف والمآثر، ولكن هذه مجرد لفتة، رجونا من خلالها أن يتعرف طلبة العلم وحملته على واحد من جنس الرعيل الأول لا يزال بين ظهرانينا. والله من وراء القصد.

وكتبها: جيلالي بن فرج حسين، يوم الجمعة 19 أكتوبر 2007م

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير