تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المكان مناسبان لمثل هذه الأسئلة.

وأذكر أني سألته حينها عن مكان وجود كتبه لإقتنائها، فقال لي ربما سأجدها في "دار البلاغ" بباب الزوَّار، فهي التي طبعت كتاباته حول الفتنة الكبرى، وحقيقة ذهبت إلى باب الزوَّار وإلى "دار البلاغ" ولم أجد عندها إلا كتابا واحدا للأستاذ "خالد" كان عنوانه "مدرسة الكذَّابين في التَّاريخ الإسلامي" فاقتنيته واستفدت منه كثيرا.

أما المرة الثانية التي حادثته فيها فقد كانت بعد نجاح صديقي "مصطفى" في امتحان شهادة الماجستير، وبداية بحثه عن موضوع لرسالته، ومشرف عليها، ولم يكن ذلك المشرف إلا الأستاذ "خالد كبير علال" الذي وقف معنا بتواضعه المعهود، لأكثر من ساعة نتجاذب أطراف الحديث حول الكثير من قضايا التاريخ ومسائل العلم، وبدا فيها كالبحر المحيط، أو كالموسوعة الشاملة، كان واثقا كل الثقة من آرائه وأقواله، يلقيها ويحشد لها الأدلة والحجج، مما لا يدع مجالا لمتكلم، فلا يمكنك أمام ذلك الدفق الهائل من العلم إلا أن تسكت وتنصت، ولا مجال أمامك للرد أو الجدال، لا يمكنك أمام ذلك إلا أن تسأل وتسأل حتى تنتهي سؤالاتك، وتخرج من موضوع إلى موضوع، والأستاذ مسترسل في الإجابة والتوضيح كالفارس البطل الذي تهابه الفرسان والشجعان، وكان إلى ذلك يحيلنا في كل مسألة إلى المصدر الفلاني أو المرجع الفلاني للإستزادة، ولنكون على اطمئنان لما يلقيه.

وكان إلى جانب ذلك كله يصغي للآخر باحترام كامل، ويقدر رأيه وموقفه، ولا يلزم أحدا باتباع رأيه وقوله، بل كل ما يلزمنا به هو البحث والإجتهاد.

وفي الحقيقة كان هذا اللقاء من أسعد اللحظات التي عشتها في حياتي، تبين لي حينها أن صديقي "مصطفى" لم يجانب الصدق والحقيقة في كل ما قد قاله لي سابقا بخصوص الأستاذ، وأني كنت موفقا في اختياري لشعبة التاريخ.

وهكذا انقضى العام الجامعي الأول بفرحة منغصة بعض الشيء، ولكن استفدنا خلالها كثيرا من المكتبات العاصمية، والمحاضرات، والأمسيات الشعرية التي كنت قلَّما أفوِّتها.

...

وجاء العام الذي طالما انتظرته بفارغ الصبر، وجاءت الساعات الذهبية الموعودة، وصار بوسعي أن أرى الأستاذ "خالد كبير علال" بانتظام، وأحادثه وأنهل من علمه كل يوم ثلاثاء مدة ثلاث ساعات كاملة، ساعة ونصف صباحا في المحاضرة، ومثلها مساء في الأعمال الموجهة، وما أسعدني بتلك الساعات التي لو لم أستفد من الحياة الجامعية إلاها لكفتني، فكفى بها ساعات لا تعوض بثمن. وحقيقة كانت ستكون سنوات الجامعة مرَّة ومنغصة لولا تلك الساعات، التي استفدنا منها كل جديد ومفيد، وتعلمنا منها الشيء الكثير، وكأن تلك الساعات هي التي بعثت فينا الحياة من جديد، ودفعتنا للإجتهاد والبحث والمطالعة، ولو صرفت عشرات الصفحات في مدح تلك الساعات لكنت مقصرا وما وفيتها حقها، ويشاركني في هذا الإحساس وفي هذا الشعور عشرات ـ بل المئات ـ ممن تتلمذوا على يد الأستاذ "خالد كبير علال"

...

كانت قاعة المحاضرات تكتَّظ ـ وعلى غير العادة ـ بالطلبة الذين أدمنوا محاضرات الأستاذ "خالد كبير علال"وصار الواحد منهم يتأسف أشد الأسف إن هو ضاعت منه بضع دقائق من المحاضرة، فضلا عن ضياع المحاضرة كلها.

كان الواحد منا إذا تغيب عن محاضرة من محاضرات الأستاذ يعلم أن ضاع منه خير كثير فنقوم لتعزيته في مصابه الجلل، وهذا ما وقع معي مرة، إذ غبت عن المحاضرة لأني شغلت بالمطالعة في "المكتبة الوطنية" إلى ساعة متأخرة، والمكتبة تبعد عن "المدرسة العليا" مسافة 20 كلم أو أكثر، ومع الإزدحام المزمن الذي تعاني منه العاصمة، ضاعت مني المحاضرة، ولما دخلت المدرسة العليا التقيت أحد أصدقائي، وقال لي " عظم الله أجرك، اصبر واحتسب" وهَالَني الأمر، وحسبت أن مكروها قد أصاب أحد معارفي أو أقاربي، فتزايدت نبضات قلبي واحمر وجهي، ثم قلت له "ما الأمر؟ " فقال لي:" فاتك خير كثير جراء غيابك عن محاضرة الأستاذ خالد" فقلت له: "روعتني، لكن صدقت والله".

...

كان الطلبة يتسابقون أوقات محاضرة الأستاذ على المقاعد الأمامية، كي لا يفوِّتوا شاردة ولا ورادة، مما يقوله الأستاذ ـ والحمد لله ـ لم يضع مني المقعد المجاور لمكتب الأستاذ خالد إلا مرة أو مرتين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير