ومما يجب ملاحظته أن محمد بن نشوان ووالده نشوان بن سعيد قد أثنيا على الهمداني ووثقاه ووصافه (بشدة الورع والفضل المشهور لا يتمارى أحد في أمره). ولو أن الهمداني كان قد وضع في أنساب خولان لاكتشفا ذلك وَلَنَبّها إليه، خاصة وأن خولان تنتمي إلى حِمْيَر وهو نفس الجذم الذي ينتميان إليه، بينما ينتمي الهمداني إلى جذم كهلان، ليس هذا فقط بل نستفيد من ذلك أن الهمداني لو كان وضَّاعاً لنسب هذه الأمجاد إلى هَمْدَان!
الأمر الثاني: يقول أبو عبد الرحمن: (أن الشيخ محمود بن عمرو لا وجود له إلا في سَنَد الهمداني!).
وأقول: إن بعض قبائل بني عمرو أهل وادي الفرع كانوا يُعْرَفُون إلى عهد قريب باسم بني محمود، ولدَيَّ وثائق تاريخية تثبت ذلك نصّاً ومن آخرها وثيقة مؤرخة في 24 شوال سنة 1245هـ وهي عبارة عن حِلْفِ بين بني محمود من بني عمرو من مسروح وبين ميمون من بني سالم، جاء فيها: (إنه لما كان تاريخ يوم 24 شوال سنة 1245 تحاضروا رجال بني محمود أهل المضيق من بني عمرو ورجال ميمون وصار بينهم حلف رفقة دون كل أحد، وعلى كل أحد، وأنهم رفاقة في صايب ونايب، الكل منهم فزَّاع فيما يلزم لحليفه) إلخ. انتهى اقتباسي من كلام البدراني.
و هنا اورد لك مقالا قيما للباحث البدراني حول نسب حرب:
قبيلة حرب قبيلة خولانية قحطانية يمنية استقرت في منطقة ما بين الحرمين الشريفين في آخر القرن الثاني وأول الثالث الهجريين واستطاعت أن توجد لها كيانا عشائريا قويا ابتداء من القرن الرابع، كما سنوضح بشيء من التفصيل في هذا الفصل.
وقد وَهَمَ بعض النسابين فجعل حربا عدنانية الأصل، لكننا إذا استعرضنا أقوال النسابين المتقدمين حول هذا الموضوع استعراض من يريد الوصول إلى الرأي الأرجح والأقرب للصواب، لا مَن يريد أن يؤيد وجهة نظره وما يوافق هواه، لوجدنا أن ما أورده نسابة الجزيرة ولسان اليمن الحسن بن أحمد الهمداني ومعاصروه هو الأقرب للصحة، وأن ما ذهب إليه من قال بعدنانية حرب لا يستند على أدلة مقنعة ولا يقوم على براهين قوية، وإنما هو التباس بسبب الموقع الجغرافي وخطأ وقع فيه ابن حزم فنقله بعض من جاء بعده!
فالملاحظ أن أصحاب القول الأول الذين يقولون بقحطانية حرب هم نسَّابو الجزيرة العربية ومؤرخوها، وخاصة من أبناء الجزيرة القريبين من قحطان والعارفين بأنسابها وأخبارها، في حين نرى أن أصحاب القول الثاني غالبا من غير أهل الجزيرة العربية، من النسابين والمؤرخين البعيدين نسباً أو بلداً عن تلك القبائل. كما أن من قال بعدنانية حرب سواءً من المتأخرين أو المتقدمين، ليس إلا ناقلاً عن ابن حزم أو عمَّن نقل عنه، فهو ليس إلاّ واهما وقع في وَهْم من سبقوه. وللأستاذ سمير القطب رأي جميل حول هذه الحقيقة، حيث يقول: (وَهَمَ كثير من المؤلفين في أنساب العرب حينما نسبوا قبيلة حرب إلى العدنانية ومنشأ هذا الوهم:
1 - أنهم رأوا هذه القبيلة تقطن مواطن العدنانية القديمة وهي أقوى من يقطن بين مكة والمدينة.
2 - أنهم رأوا أن بعض القبائل العدنانية قد انضمت إليها ودخلت فيها مثل مزينة.
3 - أن كثيراً من المؤلفين عن الأنساب يكتبون وهم بعيدون عن مواطن القبيلة. والصحيح أن حرباً يرجعون إلى خولان من قحطان). انتهى ما اخترناه من كلامه.
ومِن آخر الباحثين المعاصرين الذين وقعوا في هذا الخطأ الشيخ البَحَّاثة أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري الذي ذهب إلى الاعتراض على القول بقحطانية حرب معتمدا على عدم إشارة بعض مشاهير النسابة المتقدمين كابن الكلبي وابن شبَّة وابن الاعرابي وابن سعد ونحوهم لما ذكره الهمداني، ومفنداً أقوال الهمداني ومشككاً بأمانته العلمية ومتهماً إياه بالكذب والتلفيق!!
وأقول ليس من النسابة من عارض كلام الهمداني أو أغفل نسب حرب إلا من كان سابقاً لوصولهم للحجاز أو بعيداً عن قبائل الجزيرة جاهلاً بها لم يورد ما يشفع لرأيه، أو متأخراً لم يطَّلع على مصادر الأنساب اليمنية والحجازية.
وفيما يلي استعراض متسلسل لطبقات النسابين ذوي العلاقة بهذا الموضوع لمعرفة آرائهم والعوامل المؤثرة فيها:
1 - ابن الكلبي المتوفى سنة 204هـ، حيث لم يذكرهم لأنه كوفي سابق لاستقرارهم وشهرتهم في الحجاز.
2 - محمد بن زياد ابن الأعرابي المتوفى سنة 230هـ، فهو كوفي أيضاً متقدم على شهرتهم بالحجاز.
¥