تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سار الأشرف على نهج أبيه في سياسته الخارجية، فعزم منذ توليه السلطنة على حرب الصليبيين والعمل على طرد بقاياهم من بلاد الشام، وتحرير المناطق التي مابرحت في حوزتهم، وأعد للأمر عدته، ففي غرة ربيع الأول سنة 690هـ بعث السلطان بالبريد من القاهرة إلى أمراء الشام يدعوهم إلى الإستعداد لحصار عكا و تجهيز المجانيق فجمع العساكر من الشام ومصر، وانضم إليه المطوعة.

و خرج السلطان الأشرف بجيوشه من القاهرة في الثالث من ربيع الأول، و لحق به من جند الشام و متطوعة الإسلام أممٌ عظيمة حتى وصلت الجيوش إلى عكا وضربت على أسوارها خمسة عشر منجنيقاً كبيراً و بدأ الحصار و استمر قصف عكا بنيران و أحجار المجانيق حتى أحدثت في أسوارها ثقوباً عديدة، وتوجه قاصداً عكا وحاصرها في 3 ربيع الأول سنة 690هـ/ 5 نيسان 1291م ونصب عليها المجانيق، وعمل مهندسوه على نقب أسوارها، فلم تصمد أمامه طويلاً على مناعتها والمعونات التي وصلتها بحراً من جزيرة قبرص، و لما طال الحصار على الصليبيين و فشلت محاولات ملك قبرص في إمدادهم إختلفت كلمتهم و ذهبت ريحهم، ولم تمض ثلاث ساعات من نهار السابع من جمادى الأولى حتى استولى جند الإسلام على المدينة و قتلوا خلقاً كثيراً من الصليبيين المقاتلين، و غنموا ديارهم و أموالهم، ثم أسروا بقيتهم و الهاربين منهم.

.

وسقطت أسوار المدينة في يده في 17 جمادى الأولى سنة 690هـ/ 18 أيار 1291م، و كان فتح عكا هو النصر العظيم الذي آذن بزوال الإحتلال الصليبي نهائياً إذ لم يمض بعده غير قليل حتى سلم صليبيو صور و صيدا و بيروت و عثليث و إنطرسوس، و محا الله بسيوف الأشرف خليل و جنده الصليبيين من الشام و تطهرت منهم ديار المسلمين تماماً وولى الفرنجة الأدبار هاربين في المراكب وتساقطت الأبراج المحصنة التي كانت للأخويات الفرسانية برجاً برجاً، وكانت ضرباً من الحصون داخل المدينة، إلى أن سقط آخرها وهو برج الداوية في 28 جمادى الأولى/ 29 أيار، فانتقم الأشرف منهم لغدرهم برجاله وسمح لمن بقي بالانتقال إلى قبرص وخشية أن يفعل الصليبيون ما فعلوه بالناصر صلاح الدين الأيوبي أرسل أحد قادته إلى صور ليمنع الخارجين من عكا من الالتجاء إليها. وبعد سقوط عكا تساقطت المدن المحتلة الأخرى واحدة واحدة من دون مقاومة تذكر، فاستسلمت صيدا وصور وعتليت وجبيل وحيفا وطرطوس وبيروت، وانتقل من فيها من الصليبيين إلى قبرص، وألزم الملك الأشرف من بقي منهم في تلك المدن دفع الجزية، وأمر بهدم الحصون التي تحميها خشية معاودتهم. ولم يبق في يد الفرنجة في الشام إلا جزيرة أرواد قبالة ساحل طرطوس وعمت مظاهر الابتهاج بالنصر مدة شهر في دمشق، وخُلِّد اسم السلطان الملك الأشرف خليل الذي تم تحرير بلاد الشام ـ بالكامل ـ من الصليبيين على يديه.

تحول الأشرف بعد تحرير الشام من الفرنجة لقتال المغول في الجزيرة الفراتية والعراق، فقصد قلعة الروم على الفرات في رجب سنة 691هـ/ تموز 1292م فاحتلها بعد حصار دام ثلاثين يوماً، وأسر أميرها ورؤوس أصحابه، وغنم المسلمون منها شيئاً كثيراً، وزينت دمشق سبعة أيام احتفالاً بالنصر.

ولما شعر ملك أرمينية هيثوم الثاني بقوة موقف الملك الأشرف خليل، تخلى له بعد عام من ذلك التاريخ عن قلاع بَهَسْنا ومرعش وتل حمدون التي تتحكم بالطرق المؤدية إلى حلب، وبعد أن رتب الأمور في الشام عاد الملك الأشرف خليل إلى مصر.

و دخل السلطان الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون دمشق في أبهة النصر و مكث بها حتى اطمأن على زوال الخطر نهائياً ثم قفل راجعاً إلى القاهرة في أواخر رجب فدخلها في تاسع شعبان 690هـ في أبهة عظيمة و كان يوماً مشهودا.

فتح قلعة الروم

و استمرت رحلة جهاد ذلك السلطان المجيد، ففي التاسع و العشرين من ربيع الأول سنة 691هـ أمر بتجهيز الجيوش لفتح قلعة الروم، ثم خرج من القاهرة في ثامن ربيع الثاني، ولحقت به جيوش المظفر تقي الدين صاحب حماة، و خرج بالجيوش جميعاً قاصداً حلب و منها إلى قلعة الروم و ضرب عليها حصاراً عظيماً استخدم فيه نحو ثلاثين منجنيقاً، حتى افتتحها عنوة في حادي عشر رجب 691هـ، و دخل السلطان الأشرف دمشق منتصراً في الثلاثاء تاسع عشر شعبان، سائقاً الأسرى و من بينهم ملك قلعة الروم، و رؤوس القتلى على رؤوس الرماح، و احتفل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير