تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن في التاريخ شخصيات فريدة تفردت بمزايا وخصائص لا تتاح إلا للأفذاذ القلائل الذين يُحيون بعد الموت ذكراهم، ويبقون سيرتهم - العطرة بأعمالهم - تفوح عطرًا نتنسمه على مدى الأزمان، وتلكم الشخصيات في تاريخنا قليلة، فعلينا أن نقتدى بها وبعلمها الذي استمدوه من علم الله (كتاب الله وسنة نبيه)، وكان مفتينا الحاج محمد أمين الحسينى - مفتى الأقصى الأسير - من هؤلاء القلائل الذين ملأ ذكرهم الدنيا في حياتهم وبعد مماتهم، فقد جاب الدنيا شمالاً وجنوبًا، شرقًا وغربًا من فلسطين إلى سوريا إلى تركيا إلى أفغانستان، ثم إلى ألمانيا وإيطاليا يدافع عن قضية بلده، ويحث المسلمين على انتشال مقدساتهم من أيدى الأرجاس الذين دنسوها - ليس ذلك فحسب - بل ويريدون إزالتها كلية.

جاب مفتينا البلاد مدافعًا عن قضيته وقضيتنا عارضًا لها تارة، ومنددًا بأعدائنا تارة، ومهددًا لهم تارة، فجمع بذلك صفات رجل الحرب والسلام، ولكن الحرب التي يتمنى صاحبها الشهادة أو النصر والسلام الذي يتصف صاحبه بالعزة والكرامة، فحاول أن يهادن الأعداء فلما علم ألا جدوى من المهادنة أعلنها حربًا شعواء في مقره ومنفاه في بلاد المسلمين وغيرها، فاستحق بذلك أن يسمى مهاجر القرن العشرين، حيث هاجر مدافعًا عن مقدساته ودينه وبلده.

وفي هذه السطور القلائل نشير إلى الضوء؛ لأن الشمس أوضح من أن نلقى الضوء عليها؛ من خلال الغوص في بعض جوانب حياة هذا العلم الشامخ، لعل بعضنا أن يكون قد غفل عنه أو لم يعلمها.

نشأته وأهل بيته

هو الحاج محمد أمين بن الشيخ طاهر الحسيني، ولد في القدس عام 1895م، وهو الابن الثالث لطاهر الحسينى - مفتى القدس - الذي انتقل إلى رحمة الله عام 1908م.

وكان الشيخ طاهر وأخوه الشيخ عمر الحسينى - نقيب الأشراف - يشغلان أعلى المناصب في فلسطين، مما يدل على رفعة قدر العائلة الحسينية.

وللحاج أمين الحسيني تسعة إخوة: هو وأخ له من أم هى زينب، وثمانية إخوة من أم أخرى هى محبوبة، وتولى أخو الحاج أمين وهو الحاج كامل الحسينى منصب مفتى القدس بعد أبيه الحاج طاهر، وتولى بعده الحاج أمين.

أما عن نشأته، فقد نشأ نشأة دينية، حيث تعوّد منذ طفولته على صيام رمضان كاملاً، وصلاة الجمعة، والعيدين في المسجد الأقصى.

وقضى تعليمه الأوَّلى في «الكتاب»، ثم أكمل دراسته الابتدائية والإعدادية في المدارس الحكومية، ثم درس ولمدة سنتين في مدرسة الفرير في القدس، حيث تعلم اللغة الفرنسية، وكان الحاج طاهر - والد الحاج أمين - مهتمًا بتعليم أبنائه، حيث عيَّن لهم مدرسًا خاصًا - للحاج أمين وأخويه كامل وفخرى - ليعلمهم العلوم الدينية في المنزل.

ولم يقتصر الحاج أمين على التعليم النظري، بل تعلم إلى جانب ذلك الفروسية، حيث أصبح فارسًا وهو في الثانية عشرة من عمره، ومن المواقف التي تدل على شجاعة الحاج أمين من صغره، وتدل كذلك على وجود الوازع الدينى عنده: أن هرتزل أراد أن يؤسس مستعمرة «موتسا» قرب قرية قالونيا - التي كان الحاج أمين يتعلم بها - فزرع شجرة لهذه المستعمرة فذهب الحاج أمين وأصدقاؤه ليظهروا عداءهم للصهيونية، وقام هو بقطع هذه الشجرة.

وأدى الحاج أمين فريضة الحج مع والدته، وهو في الثامنة عشر من عمره في عام 1913، ولذلك لقب بالحاج أمين خلافًا لغيره من رجال الدين، حيث كانوا ينادون بالشيخ فلان.

أما عن تعليمه

فبعد أن قضى المرحلة الإعدادية في القدس، وانتقل إلى مدرسة الفرير سافر إلى مصر ليكمل تعليمه في الأزهر الشريف، حيث كانت العائلة الحسينية تعده ليكون مفتيًا بعد أخيه الشيخ كامل، وفي عام 1913 ذهب إلى الحج بعد أن أنهى دراسته في الأزهر، ولم يعد إلى القاهرة ثانية، وإنما عاد إلى القدس، بسبب قيام الحرب العالمية الأولى، وكان قد استطاع حفظ القرآن وهو في العاشرة من عمره.

أما عن وظيفته

فقد عين الإنجليز الحاج أمين بعد تخرجه كاتبًا في مكتب جبريل حداد، وكان حداد يعمل مسئولاً عن الشؤون العربية لدى الحاكم العسكرى رونالد ستورز، وكان هذا ديدنهم، حيث كانوا لا يعينون أحدًا في مكانه الحقيقي، وكانوا يؤثرون اليهود والمسيحيين على غيرهم، ويحاولون أن يضعوا المسلمين في الأماكن التي لا تجعلهم يتحكمون في شيء من أمور الدولة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير