تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن شعر الوزير المذكور قوله:

بينَ كريمين منزلٌ واسع

والوُدُّ حالٌ تُقَرِّبُ الشاسع

والبيتُ إن ضاق عن ثمانية

متسعٌ بالودادِ للتاسع

قال أبو عبدالرحمن: تقصيت أمثال هذا في كتابي كيف يموت العشاق ,, ولكنني أقول: أي صدر يتَّسع لهذا والفونسو يخزر هؤلاء الهلكى خزر الصقور.

وتوفّي الدارمي بطليطلة سنة أربع وخمسين في كَنَفِ المأمون يحيى بن ذي النون، وذكر أنّه كان يُتَّهم بالكذب.

وقال ابن ظافر في كتابه بدائع البدائه: حضر أبو الفضل الدارمي البغدادي مجلس المعزِّ بن باديس,

وبالمجلس ساقٍ وسيم قد مَسَّكَ عذارُه وردَ خديه, وعجزت الراح أن تفعل في الندامى فعلَ عينيه، فأمره المعز بوصفه، فقال بديهاً:

ومُعَذَّرٍ نقش الجمالُ بِمِسكِهِ

خَدّاً لهُ بدم القلوبِ مضرَّجا

لمّا تيقَّنَ أن سيفَ جفونهِ

من نَرجِسٍ جعل العذار بنفسجا

وقوله في جدارية تبخرت بالند:

ومَحطوطة المتنين مَهضُومَة الحشا

مُنغَّمة الأردافِ تدمى من اللمس

إذا ما دُخان الند من جَيبها عَلا

على وجهها أبصرت غيماً على شمسِ

وقوله:

لأغرِّرَنَّ بمهجتي في حبّه

غَرَراً يطيلُ معَ الخطوبِ خطابي

ولئن تَعزز إنَّ عِندي ذلّةً

تستعطفُ الأعداء للأحبابِ

قال أبو عبدالرحمن: مثل هذا اللهو المستقبح في موطن الجد كثير في بلاطات الأقزام، فقد ذكروا أن بعض علماء الأندلس خرج من قُرطُبَة إلى طُلَيطُلَة، فاجتاز بحريز بن عكاشة بقلعة رباح، فنزل بخارجها في بعض جنباتها، وكتب إليه:

يا فريدا دون ثاني

وهلالاً في العيانِ

عدم الراح فصارت

مثلَ دُهنِ البلسانِ

فبعث إليه بها، وكتب معها:

جاء من شعرك روضٌ

جاده صَوبُ اللسانِ

فبعثناها سُلافاً

كسجاياك الحسانِ

قال أبو عبدالرحمن: أكرم بها هداياً تقر بها عيون الفونسو.

قال أبو عبدالرحمن: حريز بن عُكاشة من ذرية عكاشة بن محسن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أمير شجاع شَرِق بضياع حصن من حصون المسلمين كان في يد ابن ذي النون,, وأروَّح عن القلوب هذا اليوم بخطاب صاغه كاتبه المغفل عن ضعة ابن ذي النون وتفريطه مع تنمر ابن ذي النون كتابة وتشدقه باستسهال ضياع الحصون,, وكاتب حريز هو عبدالحميد بن لاطون؛ فأمره أن يكتب إلى المأمون بن ذي النون في شأن حصنِ دخله النصارى، فكتب: وقد بلغني أن الحصن الفلاني دخله النصارى إن شاء الله تعالى؛ فهذه الواقعة التي ذكرها الله تعالى في القرآن، بل هي الحادثة الشاهدة بأشراط الزّمان، فإنّا لله على هذه المصيبة التي هَدَّت قواعد المسلمين، وأبقت في قلوبهم حسرة إلى يوم الدين.

فلما وصل الكتاب للمأمون ضحك حتى وقع للأرض، وكتب لابن عكاشة جوابه، وفيه: وقد عهدناك منتقياً لأمورك، نقّاداً لصغيرك وكبيرك؛ فكيف جاز عليك أمر هذا الكاتب الأبله الجِلفِ، وأسندت إليه الكتاب عنك دون أن تَطّلع عليه، وقد علمت أن عنوان الرجل كتابه، ورائد عقله خطابه؟ ,, وما أدري من أيِّ شيئ يتعجّب منه: هل من تعليقة إن شاء الله تعالى بالماضي، أم من حسن تفسيره للقرآن ووضعه مواضعه، أم من تورُّعه عن تأويله إلاّ بتوقيف من سماع عن إمام، أم من تهويله لما طرأ على مَن يخاطبه، أم من علمه بشأن هذا الحصن الذي لو أنّه القسطنطينية العظمى ما زاد عن عظمه وهَوله شيئاً؟؟!! ,, ولو أن حقيراً يخفى عن علم الله تعالى لخفي عنه هذا الحصن,, ناهيك من صخرة حيث لا ماء ولا مرعى، منقطع عن بلاد الإسلام، خارج عن سلك النظام، لا يعبره إلا لص فاجر، أو قاطع طريق غير متظاهر، حُرَّاسُهُ لا يتجاوزون الخمسين، ولا يرون خبز البر عندهم إلاّ في بعض السنين، باعه أحدهم بعشرين ديناراً، ولعمري إنّه لم يغبن في بيعه، ولا ربح أرباب ابتياعه، وأراح من الشين بنسبته والنظر في خداعه، فليت شعري ما الذي عظمه في عين هذا الجاهل، حتى خطب في أمره بما لم يخطب به في حرب وائل؟!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير