تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال: وكان قد بلغ بغا أن خيلاً لهم بمكان من بلادهم، فوجّه من أصحابه نحواً من مائتي فارس إليها. قال: فبينا نحن فيما نحن فيه من الإشراف على العطب، وقد هزم بُغا ومن معه إذ خرجت الجماعة التي كان بُغا وجّهها من الليل إلى تلك الخيل، وقد أقبلت منصرفة من الموضع الذي وجّهت إليه من العسكر في ظهور بني نمير، وقد فعلوا ما فعلوا ببُغا وأصحابه فنفخوا في صفّاراتهم؛ فلما سمعوا نفخ الصّفارات، ونظروا إلى من خرج عليهم في أدبارهم، قالوا: غدر واللّه العبد، وولّوا هاربين، وأسلم فرسانهم رجّالتهم بعد أن كانوا على غاية المحاماة عليهم

قال لي أحمد بن محمد: فلم يفلت من رجّالتهم كثير أحد؛ حتى قتلوا عن آخرهم؛ وأما الفرسان فطاروا هُرّاباً على ظهور الخيل

وأما غير أحمد بن محمد فإنه قال: لم تزل الهزيمة على بُغا وأصحابه منذ غدوة إلى انتصاف النهار؛ وذلك يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، ثم تشاغلوا بالنّهب وعقر الإبل والدوابّ حتى ثاب إلى بُغا من كان انكشف من أصحابه، واجتمع من كان تفرّق عنه، فكرّوا على بني نمير، فهزمهم وقتل منهم منذ زوال الشمس إلى وقت العصر زهاء ألف وخمسمائة رجل. وأقام بُغا بموضع الوقعة على الماء المعروف ببطن السّر، حتى جمعت له رءوس من قتل من بني نمير، واستراح هو وأصحابه ثلاثة أيام

فحدثني أحمد بن محمد أن من هرب من فرسان بي نمير من الوقعة أرسلوا إلى بُغا يطلبون منه الأمان؛ فأعطاهم الأمان؛ فصاروا إليه، فقيدهم وأشخصهم معه

وأما غيره فإنه قال: سار بُغا من موضع الوقعة في طلب من شذ عنه منهم، فلم يدرك إلا الضعيف ممن لم يكن له نهوض منهم وبعض المواشي والنعم، ورجع إلى حصن باهلة. قال: وإنما قاتل بُغا من بني نمير بنو عبد الله بن نمير وبنو بسرة وبلحجاج وبنو قطن وبنو سلاه وبنو شريح وبطون من الخوالف - وهم بني عبد الله بن نمير، ولم يكن في القتال من بني عامر بن نمير إلا القليل - وبنو عامر بن نمير أصحاب نخل وشاء، وليسوا أصحاب خيل، وعبد الله بن نمير هي التي تحارب العرب - فقال عمارة بن عقيل لبغا:

تركت الأعقفين وبطن قو ... وملأت السجون من القماش

فحدثني أحمد بن محمد أن الذين دخلوا إلى بُغا بالأمان من بني نمير لما قيدهم وحبسهم وأشخصهم معه شغبوا في الطريق، وحاولوا كسر قيودهم والهرب، فأمر بإحضارهم واحداً بعد واحد؛ فكان إذا حضر الواحد يضربه ما بين الأربعمائة إلى الخمسمائة وأقل من ذلك وأكثر؛ فزعم أحمد أنه حضر ضربهم ولم ينطق منهم ناطق يتوجع من الضرب؛ وأنه أحضر منهم شيخ قد علق في عنقه مصحفاً، ومحمد بن يوسف جالس إلى جنب بُغا، فضحك منه محمد بن يوسف وقال لبُغا: هذا أخبث ما كان - أصلحك الله - حين علق المصحف في عنقه! فضربه أربعمائة أو خمسمائة، فما توجع وما استغاث

وذكر أن فارساً من بني نمير لقى بُغا في وقعتهم التي ذكرت أمرها يدعى المجنون، فطعن بُعا ورمى المجنون ورجل من الأتراك. فأفلت، وعاش أياماً ثلاثة ثم مات من رميته

قال: ثم قدم عليه واجن الأشروسني الصغدي في سبعمائة رجل مدداً له من الأشروسنيّة الإشتيخنيّة فوجهه بُغا ومحمد بن يوسف الجعفري في أثرهم؛ فلم يزل يتبعهم حتى وغلوا في البلاد، وصاروا بتبالة وما يليها من حد عمل اليمن وفاتوه؛ فانصرف ولم يصر في يديه منهم إلا ستة نفر أو سبعة، وأقام بحصن باهلة، ووجه إلى جبال بني نمير وسهلها من هلان!! والسود وغيرها من عمل اليمامة سراياً في محاربة من امتنع ممن قبل الأمان منهم، فقتلوا جماعة وأسروا جماعة، وأقبل عدة من ساداتهم كلهم يطلب الأمان لنفسه والبطن الذي هو منه، فقبل ذلك منهم وبسطهم وآنسهم؛ ولم يزل مقيماً إلى أن جمع إليه كل من ظن أنه كان في هذه النواحي منهم، وأخذ منهم زهاء ثمانمائة رجل، فأثقلهم بالحديد وحملهم إلى البصرة، في ذي العقدة من سنة اثنتين ومائتين وكتب إلى صالح العباسي بالمسير بمن قبله في المدينة من بني كلاب وفزارة ومرة وثعلبة وغيرهم واللحاق به؛ فوافاه صالح العباسي ببغداد، وصاروا جميعاً في المحرم إلى سامرّاً سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وكانت عدة من قدم به بغا وصالح العباسي من الأعراب سوى من مات منهم وهرب. وقتل في هذه الوقائع التي وصفناها ألفى رجل ومائتي رجل من بني نمير ومن بني كلاب ومن مرة وفزارة ومن ثعلبة وطيئ


انتهى سياق الحادثة عند الطبري في تاريخه (تاريخ الرسل والملوك)، أحداث سنة 232هـ، الجزء التاسع، صفحة 146 - 150 من طبعة دار المعارف

ملاحظة: مابين القوسين توضيح مني لبعض المواضع في نجد مثل ماذكرته بعد الشريف ومرأة وليست من نص كلام الطبري

ـ[عبد الله اليوسف]ــــــــ[26 - 12 - 07, 04:10 م]ـ
جزاك الله خيرا على هذه النبذة المفيدة وأنا من المتابعين لكتاباتك.
ويلاحظ هنا أن قول الطبري: "من بني عدي من تميم" مبني على التقريب لأنهم بنو عدي بن عبد مناة بن أد فهم أبناء عم بني تمبم بن مر بن أد ولا يبعد أن هذا الرجل من بلدة شقراء لأن شقراء كانت من بلاد بني عدي.
وقوله: "بنو ضبة من نمير" أخشى أنه تصحيف لأن المعروف من بطون نمير "ضنة" بكسر الضاد المعجمة وتشديد النون المفتوحة وهم رهط جران العود الشاعر المعروف.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير