تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكانت مساعي الشيعة مستمرة لنصرة مذهبهم فتأسست دولة المشعشعين في بلاد الأحواز ([13]) بين سنتي (840 - 914 هـ) وقد حاولت نشر التشيّع في الجنوب فنجحت في ذلك في مناطق البطائح (الأهوار) وهي الآن في محافظة ميسان ومركزها العمارة ([14])؛ وسبب ذلك يعود إلى أن أهل هذه المناطق غير تابعين لسلطة الدولة، ويثورون على كل حاكم، ويعيشون معيشة متخلفة بعيدة عن الحضارة والمدنية، وحياتهم قائمة على تربية الجاموس وصيد الأسماك والتنقل بين الأهوار، ومساكنهم من قصب [15]؛ لذا لم تستقر عندهم حضارة ولا مدارس علم ولا مساجد، وكان تشيعهم مردّه عدم وجود محصّن لهم ثقافي أو حضاري يحميهم.

وكان هَمُ المشعشعين الغزو والسطو على البلاد، فناسب أهل البطائح عقلية المشعشعين وأفعالهم لذلك كان هذا أحد أسباب قبولهم للتشيع؛ فهذا مؤسسهم محمد بن فلاح عندما ظهر سنة 840 هـ في الكوفة وأدعى المهدية وكان قد خلط التصوف المنحرف بالتشيع، وادّعى ألهوية علي، فأفتى شيخه الشيعي أحمد بن فهد الحلي (ت:841هـ) بقتله، فهرب إلى الأهوار وحماه سكان الأهوار المعدان (المعادي) والتفوا حوله، وهم أول جماعة حمته وكون معهم دولته، والعشائر المتأثرة به وقتها هم: بنو سلامة والسودان وبنو أسد وبنو طي وبنو حطيط،وهؤلاء تأثروا بتشيعه الغالي وشرعوا بالإغارة على المدن السُنية كمدينة واسط (قبل أن تندرس) ومدينة جصّان [16] فقاتله أهلها السُنة وذلك في سنة 844 هـ وبعد مرور عام سيطر على مدينة الحويزة وانضم إليه من القبائل العربية: عبادة وبنو ليث وبنو سعد، وهذا يعني أن بواكير انتشار التشيع في الجنوب بدأت من محمد بن فلاح المشعشعي [17].

وكذا كان لبروز الدولة الصفوية [18] في بلاد إيران على يد الشاه إسماعيل الصفوي دور آخر في نشر التشيع في العراق، بعد أن شيّع أهالي إيران السُنة عنوة ثم غزا العراق واحتل بغداد وقتل كثيرا من أهل السنة، وحاول تشييع العراق كله ولم يفلح، إلا أن التشيع أخذ بالازدياد في جنوب العراق لعدة أسباب فصلناها في بحثنا (تاريخ تشيّع العشائر العراقية) يسر الله نشره.

ونستطيع تلخيص بعض هذه الأسباب الرئيسة لتشيّع الجنوب والوسط:

الجنوب والوسط عبارة عن قبائل غير مستقرة، ثائرة باستمرار على الدولة المركزية في بغداد، وأصول هذه القبائل بدوية قادمة من جزيرة العرب إما لطلب الماء والكلأ، وإما هربا من عدو قوي أو دم و ثأر، أو فرارا من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه بعد أن جرى القتال بينهم وبينه.

عدم الاستقرار هذا أدى إلى انعدام الحضارة فيه؛ فلا مدن رئيسية فيه؛ فالسائر في تلك الأيام من مدينة بغداد إلى البصرة بمحاذاة نهر دجلة لا يلاحظ وجود أي مدينة هناك سوى واسط وهي مدينة انتهت في القرن التاسع للهجرة، أما إذا سرت مع الفرات فلا توجد سوى مدينتي الحلة والنجف (وهما مدن شيعية منذ القدم) ثم تأتي بعد ذلك مدن وقرى صغيرة إلى أن تصل للبصرة.

ولا تكاد ترى في كتب التراجم والتاريخ أي مؤلّف أو عالم أو أديب سُني ينتمي لتلك المناطق، فهي مناطق مهملة حضاريا وغير منتجة لأي جهد مبدع أو حتى جهد عادي، فلا تتوفر فيها مدارس للعلم و ليس فيها إلا القليل من المساجد، ولا زالت هذه المناطق إلى عهد قريب تعيش في جهل مبين، ومبادئ الدين وأصوله مغيبة عن معظمهم. هذه النقطة كانت مرتكز دعوة الشيعة في الجنوب وبعض الوسط.

والحقيقة إن التشيع لم يدخل للجنوب بعد تكوين الدولة الصفوية بل بقي الجنوب سنيا و في القرن الحادي عشر وبعد استقرار التشيع في إيران وشعور علماء الشيعة في لبنان والبحرين و العراق (النجف والحلة) أن ثمّة دولة شيعية (الصفوية) تدعوهم لدعم التشيع، وذهاب عدد من العلماء للشاه الصفوي وتأليفهم كتبا عديدة له، يومها بدأ التخطيط لتشييع جنوب العراق لقلة العلماء السُنة بينهم وندرتهم باستخدام عدة وسائل منها:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير