6ًـ اهتمامه بالمجتمع والأعمال الخيرية:
إن مثل الشيخ حسن حبنكة رحمه الله تعالى، في وراثته لهدي النبوة التي كانت رحمة للناس في كافة مجالات حياتهم، لايمكن أن يكون بمعزل عن حياة الناس، وعن المشاركة في حلِّ أزماتهم وتخفيف معاناتهم، ورفع شأنهم في كل أمر، لذلك وجَّه الشيخ عنايته إلى أفراد حيِّه أولاً يبحث عن الفقراء والمحتاجين والمرضى والأيتام، ليحوطهم بكل ما يستطيع تقديمه لهم، وذلك بمعونة أهل الخير والإحسان، وراح يوجه إلى قيام وإنشاء الجمعيات الخيرية، التي تتولى جمع التبرعات من زكوات وصدقات، لتوزع على المستحقين بكل أمانة ودقة، وكانت فاتحة هذه الجمعيات (جمعية أسرة العمل الخيري) ثم توسع هذا العمل المبرور، إلى باقي أحياء وحارات الميدان ومدينة دمشق، كما كان الشيخ أيضاً ملاذ الناس في معضلات أمورهم، ومشاكلهم يهرعون إليه للنظر فيها والمساعدة على حلها، فكان بيت الشيخ داراً للقضاء والشورى وفضِّ المنازعات.
7ًـ مواقفه الإسلامية الشجاعة:
إن من أعظم ما يتميز به الشيخ حسن رحمه الله تعالى جرأته في الحق، وشجاعته في مواجهة الباطل، وهي صفة رافقته منذ يفاعته وشبابه المبكر، فحينما اندلعت الثورة السورية على المستعمر الفرنسي عام 1925م وكان الشيخ يطلب العلم، وهو في مقتبل العمر في السابعة عشر من عمره، هبَّ ليشارك الثوار المجاهدين، وانضوى تحت لواء واحد من مشاهيرهم، وهو الشيخ محمد الأشمر رحمه الله تعالى وشارك في قتال المغتصبين المحتلين.
ولما أرادت فرنسا فرض (قانون الطوائف)، محاولة بذلك تغيير العديد من قوانين الأحوال الشخصية المستمدة من الشريعة الإسلامية، قام الشيخ خطيباً ينبه العقول، ويفضح الألاعيب ويُلهب المشاعر، وكان لموقفه هذا أثره البالغ في إبطال العمل بذلك القانون المنحرف.
وهكذا كان الشيخ رحمه الله في كل مرة وفي أي عهد من العهود، لسان الحق الجريء المقدام الذي ينافح عن عقيدة الأمة وتشريعها وتاريخها، مرتكزاً في ذلك على علم راسخ، ووعي يدرك أبعاد القضايا، وحكمة تزن الأمور بميزان دقيق حساس، وقلب عميق الصلة بالله والتوكل عليه واحتساب الأجر والثواب عنده وحده، ولقد لقي الشيخ في سبيل ذلك من المكاره والأذى الشيء الكثير، ولكنه وبفضل الله ومعونته خرج ظافراً منتصراً.
8ً ـ صفاته الشخصية ومشاركاته الأدبية ومختارات من شعره:
لقد أوتي الشيخ رحمه الله من الصفات الذاتية والمحامد الخلقية نصيباً موفوراً، فكان حاد الذكاء حاضر البديهة، وكان عميق التفكير، صادق الفراسة، وكان فصيح اللسان واسع الشرح والبيان وخطيباً جماهيرياً يملك قلوب وأفكار مستمعيه، وكان محدثاً بارعاً يأسر مَن يحدثه بحسن بيانه وجواهر لفظه، وكان رحمه الله عظيم الصبر على الناس كثير التسامح حريصاً على تأليف القلوب، وكان كثير الاهتمام بعيادة المرضى والدعاء لهم بالشفاء، وكان حكيماً في فضِّ المنازعات وإطفاء نيران الفتنة بين الناس، وكان رحمه الله عفيفاً يعلم طلابه ويدربهم على العفة والترفع عن الدنايا والصغائر، وكان متواضعاً وخصوصاً لرجل صالح أو عالم فاضل أو شيخ كبير السن أو امرأة عجوز، وهو في ذات الوقت كان عزيزاً لم يُهن نفسه لغني من أجل غناه، ولا لذي وجاهة في قومه من أجل وجاهته، ولم يمالئ ذا سلطان وهو في سلطانه، وكان الشيخ ذا حس ونفس أدبي واضح، وربما نظم شعراً وجدانياً دينياً، لكنه فيه مقلٌّ إذ لم يُفرِّغ نفسه له وفي مناسبة من مناسبات الحج فاضت مشاعره ببعض أبيات ومما قاله فيها:
صفق القلب للحجاز وثارا **** شفه الشوق للحبيب فطارا
واقتفت إثره الجسومُ غراماً **** فجرى الركب في الرمال وسارا
يا ديار الحبيب يا أنس قلبي **** عدل الدهر في الهوى أو جارا
يا بقاع الأنوار من فيض ربي **** حدثيني عن الرسول جهارا
9ً ـ صفاته التربوية:
كان رحمه الله مربياً شديد الملاحظة والمتابعة، لا تكاد تفوته كبيرة ولا صغيرة من حركات مَن هم في دائرة تربيته وتوجيهه، وكان من أساليبه التربوية إلجاء مَن يشرف على تربيتهم إلى ممارسة الأمور التي يحرص أن يربيهم عليها، من أعمال وأقوال وتعليم وتوجيه. وكان أخشى ما يخشاه أن يُصاب من هو في دائرة تربيته بالغرور بنفسه فيستكبر أو يقنع بما وصل إليه فلا يتابع مسيرته متنامياً متكاملاً. وكان من أساليبه التربوية أيضاً تصيد أيِّ حدث يمكن الاستفادة منه لتربية العقائد والمفاهيم الإسلامية وتثبيتها وتعميقها.
10ً ـ وفاته وتشييعه:
أصيب الشيخ بجلطة قلبية، نتيجة الإجهاد والتعب المتواصل، وما يحمل من هموم الأمة وآلامها ولكنها مرت بسلام، إلا أن همة الشيخ وصحته لم تعد كما كانت من قبل، وفي فجر الاثنين في 14ذي القعدة /1398 هجرية الموافق 16/ 10/1978م التحق الشيخ بالرفيق الأعلى عن عمر ناهز السبعين عاماً، وكان قد أزمع السفر إلى مكة المكرمة، لحضور مؤتمر من مؤتمرات رابطة العالم الإسلامي، ثم الحج إلى بيت الله الحرام، وما إن أشيع النبأ حتى عم الحزن والأسى بلاد الشام قاطبة، وتقاطرت الوفود من كل الجهات لتشييع جنازته، التي كانت جنازة ضخمة مشى فيها مئات الآلاف من محبي الشيخ وطلابه وعارفيه، وصُلي عليه في الجامع الأموي الكبير في قلب دمشق، ثم دُفن في حيِّه حيِّ الميدان بجوار المسجد الجامع الذي سعى في إنشائه وإعماره والذي سُمي فيما بعد جامع الحسن.
تغمد الله الشيخ حسناً بواسع رحمته، ورفع مقامه في عليين، وجزاه عن جهاده ودعوته وتعليمه أفضل ما يُجازى العاملون، وجمعنا به مع أشياخنا وأحبابنا في مستقر رحمته، تحت لواء الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
¥