تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلما كان في المجلس الثاني، يوم الجمعة، بعد الصلاة، ثاني عشر رجب - وقد أحضروا أكبر شيوخهم ممن لم يكن حاضراً ذلك اليوم - و بحثوا فيما بينهم، و اتفقوا و تواطأوا، وحضروا بقوة و استعداد، غير ما كانوا عليه لأن المجلس الأول أتاهم بغتة وإن كان أيضاً بغتة للمخاطب الذي هو المسئول و المجيب و المناظر.

فلما اجتمعنا - وقد أحضرت ما كتبته من الجواب على أسئلتهم المتقدمة التي طلب تأخيره إلى هذا اليوم - حمدت الله بخطبة الحاجة، حطبة ابن مسعود ?.

ثم قلت: إن الله أمرنا بالجماعة و الائتلاف، و نهانا عن الفرقة و الاختلاف، و قال لنا في القرآن

? واعتصموا بحبل الله جميعاً و لا تفرقوا ? ()

وقال: إن الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعاً لست منهم في شيء. ()

وقال: ولا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من ما جاءهم البينات.وربنا واحد، وكتابنا واحد، و نبينا واحد، وأصول الدين لا تحتمل التفرق والاختلاف. وأنا أقول ما يوجب الجماعة بين المسلمين، و هو متفق عليه بين السلف.

فإن وافق الجماعة فالحمد لله، و إلا فمن خالفني بعد ذلك، كشفت له الأسرار، و هتكت الأستار، و بينت المذاهب الفاسدة، التي أفسدت الملل و الدول. وأنا أذهب إلى سلطان الوقت على البريد، وأعرفه من الأمور ما لا أقوله في هذا المجلس. فإن المسلم كلاما و للحرب كلاما.

وقلت: لا شك أن الناس يتنازعون، فيقول هذا: أنا حنبلي، و يقول هذا: أنا أشعري، و يجري بينهم تفرق واختلاف، على أمور لا يعرف حقيقتها.

وأنا قد أحضرت ما بين اتفاق المذاهب فيما ذكرته، وأحضرت كتاب تبيين كذب المفتري فيما ينسب إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري. تأليف الحافظ أبي القاسم ابن عساكر.

وقلت: لم يصنف في أخبار الأشعري المحمودة كتاب مثل ها. وقد ذكر فيه لفظه الذي ذكره في كتاب الإبانة.

فلما انتهيت إلى ذكر المعتزلة، سأل الأمير عن معنى المعتزلة؟

فقلت: كان الناس في قديم الزمان قد اختلفوا في الفاسق الملي. وهو أول اختلاف حدث في الملة، هل هو كافر، أو مؤمن؟ فقالت الخوارج: إنه كافر و قالت الجماعة: إنه مؤمن.

فقالت طائفة: نقول: هو فاسق، لا كافر، ولا مؤمن. ننزله منزلة بين منزلتين، وخلدوه في النار، واعتزوا حلقه الحسن البصري وأصحابه، فسموا معتزلة.

فقال الشيخ الكبير بحبه ورد: ليس كما قلت، و لكن أول مسألة اختلف فيها المسلمون: مسألة الكلام، و سمي المتكلمون متكلمين لأجل تكلمهم في ذلك، و كان أول من قالها: عمرو بن عبيد، ثم خلفه بعد موته عطاء بن واصل.

هكذا قال: وذكر نحواً من هذا.

فغضت عليه. وقلت: أخطأت. وهذا كذب مخالف للإجماع.

وقلت له: لا أدب ولا فضيلة، لا تأدبت معي في الخطاب، ولا أصبت في الجواب.

ثم قلت: الناس اختلفوا في مسألة الكلام في خلانة المأمون، و بعدها في أواخر المائة الثانية. وأما المعتزلة فقد كانوا قبل ذلك بكثير، في زمن عمرو بن عبيد بعد موت الحسن البصري، في أوائل المائة الثانية. ولم يكن أولئك قد تكلموا في مسألة الكلام، ولا تنازعوا فيها. وإنما أول بدعتهم: تكلمهم في مسائل الأحكام و الأسماء و الوعيد.

فقال: هذا ذكره الشهر ستاني في كتاب الملل و النحل.

فقلت: الشهر ستاني ذكر ذلك في اسم المتكلمين: لم سموا متكلمين، لم يذكره في اسم المعتزلة، والأمير إنما سأل عن اسم المعتزلة.

وأنكر الحاضرون عليه.

وقال: غلطت.

وقلت في ضمن كلامي: أنا أعلم كل بدءة حدثت في الإسلام، وأول من ابتدعها. وما كان سبب ابتداعها.

وأيضاً: فما ذكره الشهر ستاني لي بصحيح في اسم المتكلمين فإن المتكلمين كانوا يسمون بهذا اسم قبل تنازعهم في مسألة الكلام وكانوا يقولون عن واصل بن عطاء: إنه متكلم، ويصفونه بالكلام و لم يكن الناس اختفوا في مسألة الكلام.

وقلت أنا وغيري: إنما هو واصل بن عطاء.

قلت: وواصل لم يكن بعد موت عمرو بن عبيد، وإنما كان قريبه.

وقد روي أن واصلاً تكلم مرة بكلام. فقال عمرو بن عبيد: لو بعث نبي ما كان يتكلم بأحسن من هذا، وفصاحته مشهورة، حتى قيل: إنه كان ألئغ، فكان يحترز عن الراء حتى قيل له: أمر الأمير أن يحفر بئر في قارعة الطريق. فقال: أو عز القائد، أن يقلب قليب في الجادة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير