تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقلت: لا ريب أن الله حي حقيقة، سميع حقيقة، بصير حقيقة، وهذا متفق عليه بين أهل السنة و الصفاتية، من جميع الطوائف، ولو نازع بعض أهل البدع في بعض ذلك، فلا ريب أن الله موجود، والمخلوق موجود، ولفظ " الوجود " سواء كان مقولا عليهما بطريق الاشتراك اللفظي فقط، أو بطريق التواطؤ، المتضمن للاشتراك لفظاً ومعنى، أو بالتشكيك، الذي هو نوع من التواطؤ، فعل كل قول: فالله موجود حقيقة. والمخلوق موجود حقيقة. ولا يلزم من إطلاق الاسم على الخالق و المخلوق بطريق الحقيقة محذور.

ولم أرجح في ذلك المقام قولا من هذه الثلاثة على الآخر، لأن غرضي يحصل على كل مقصود.

وكان مقصودى تقرير ما ذكرته على قول جميع الطوائف، وأن أبين اتفاق السلف ومن تبعهم على ما ذكرته وأن أعيان المذاهب الأربعة، والأشعرى، وأكابر أصحابه على ما ذكرته.

فإنه قبل المجلس الثاني، اجتمع بي من أكابر الشافعية، والمنتسبين إلى الأشعرية، و الحنفية، وغيرهم، ممن عظم خوفهم من هذا المجلس، وخافوا انتصار الخصوم فيه، و خافوا على نفوسهم أيضاً من تفرق الكلمة، فلو أظهرت الحجة التي ينتصر بها ما ذكرته، أو لم يكن من أئمة أصحابهم من يوافقها -: لصارت فرقة، ولصعب عليهم أن يظهروا في المجالس العامة الخروج عن أقوال طوائفهم، كما في ذلك من تمكن أعدائهم من أغراضهم. فإذا كان من أئمة مذاهبهم من يقول ذلك، وقامت الحجة عليه، وبان أنه مذهب السلف، أمكنهم إظهار القول به، مع ما يعتقدونه في الباطن من أنه الحق.

حتى قال لي بعض الأكابر من الحنفية، وقد اجتمع بي:

لو قلت: هذا مذهب أحمد حنبل، و ثبت على ذلك، لانقطع النزاع.

ومقصوده: أنه يحصل دفع الخصوم عنك بأنه مذهب متبرع، و يستريح المنتصر والمنازع من إظهار الموافقة.

فقلت: لا والله، ليس لأحمد بن حنبل بهذا اختصاص، وإنما هذا اعتقاد سلف الأمة، وأئمة أهل الحديث.

وقلت أيضاً: هذا اعتقاد رسول الله ?، وكل لفظ ذكرته، فأنا أذكر به آية أو حديثاً، أو إجماعاً سلفياً، وأذكر من ينقل الإجماع عن السلف، من جميع طوائف المسلمين: اتباع الفقهاء الأربعة، و المتكلمين، وأهل الحديث، و الصوفية.

وقلت لمن خاطبني من أكابر الشافعية: لأبين أن ما ذكرته هو قول السلف، و قول أئمة أصحاب الشافعي، وأذكر قول الأشعري، وأئمة أصحابه التي ترد على هؤلاء الخصوم. و لينتصرن كل شافعي، وكل من قال بقول الأشعري الموافق لمذهب السلف. وأبين قول طائفة من أصحابه. فللأشعرية قولان، ليس للأشعري قولان.

فلما ذكرت في المجلس أن جميع أسماء الله التي يسمى بها المخلوق كلفظ " الوجود " الذي هو مقول بالحقيقة على الواجب و الممكن، على الأقوال الثلاثة، تنازع كبيران: هل هو مقول بالاشتراك، أو بالتواطؤ؟.

فقال أحدهما: هو متواطئ. وقال الآخر: هو مشترك. لئلا يلزم التركيب.

وقال هذا: قد ذكر فخر الدين: أن هذا النزاع مبني على أن وجوده. هل هو عين ماهيته، أم لا؟

فمن قال: إن وجود كل شيء عين ماهيته، قال: إنه مقول بالاشتراك، ومن قال: إن وجوده قدر زائد على ماهيته، قال:إنه مقول بالتواطؤ.

فأخذ الأول يرجح قول من يقول: إن الوجود زائد على أن الماهية، لينصر أنه مقول بالتواطؤ.

فقال الثاني: ليس مذهب الأشعري وأهل السنة: أن وجوده عين ماهيته فأنكر الأول ذلك.

فقلت: أما متكلمو أهل السنة، فعندهم: أن وجود كل شيء عين ماهيته. وأما القول الآخر، فهو قول المعتزلة: إن وجود كل شيء قدر زائد على ماهيته، وكل منهما أصاب من وجه، فإن الصواب أن هذه الأسماء مقولة بالتواطؤ، كما قد قررته في غير الموضع.

وأجبت عن شبهة التركيب بالجوابين المعروفين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير