تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أشكر كل الإخوة والأخوات الذين ذكروا تجاربهم ومشروعاتهم التي سبق لهم أن جربوها في شهر رمضان المبارك، وأسأل الله أن يتقبل منهم هذه الأعمال، وأن يجدوها في صحائف حسناتهم يوم القيامة كجبال السروات. وأشكر أخي الحبيب د. فهد الوهبي على إثارته مثل هذا الموضوع ومتابعته، وسأذكر لكم بعض المشروعات التي جربتها وأرجو أن يكون فيها ما يفيد إن شاء الله:

المشروع الأول:

كنت أثناء الدراسة الجامعية في السنة الأولى من الجامعة قد أنهيت قراءة القرآن على أخي المقرئ الشيخ ظافر بن حسان البكري وفقه الله، وكان قد قرأ على الشيخ عبيد الله الأفغاني، وذلك قبل أن أقرأ مباشرة على الشيخ عبيد الله الأفغاني أسأل الله أن يختم له بالحسنى ويجزيه عني وعن طلابه أحسن الجزاء وأجزله. فقررت في شهر رمضان عام 1411هـ أن أتفرغ لإقراء أبناء قريتي القرآن، وكنتُ أصلي بالناس إماماً في المسجد منذ عام 1406هـ. فجمعت أبناء القرية واسم قريتي (الجهوة) وتقع جنوب شرق مدينة النماص وتسكنها قبيلة بني بكر وهي قرية مذكورة في كتب التاريخ وفيها شعرٌ محفوظ لبعض شعراء الجاهلية (1)، وكان هؤلاء الأبناء يبلغون الثلاثين تقريباً، من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية، فتفرغت في رمضان لهذا الأمر لا أشتغل بغيره، فأبقى في المسجد للإقراء من بعد صلاة الفجر حتى قبيل المغرب كل يوم، حتى تمكن أكثرهم من إجادة القراءة بالمواصلة والجد، وفي أبناء القرى من الجدية والحرص ما لم أجده في المدن بعد ذلك.

ولَمَّا رأى والدي انقطاعي للإقراء سُرَّ بذلك كثيراً، ولم يعد يطلب مني أن أقوم بعمل في مساعدته رحمه الله طيلة النهار، وأقوم بِما يريدون في المنزل بعد صلاة التراويح.

بل إنَّ من المواقف التي لا أنساها أن بعض كبار الجماعة لما رأوا هذا الإقبال لأولادهم والفائدة التي لاحظوها، والهدوء الذي عمَّ القرية حيث كفيتهم شر هؤلاء الأبناء طيلة رمضان، طلبوا مني أن أخصص لهم وقتاً أيضاً للقراءة، وكان من بينهم أستاذي العزيز عبدالله بن حمود البكري حفظه الله ورفع قدره، وهو أستاذي الذي علمني في الصف الأول الابتدائي القراءة والكتابة والحساب، ولا أنسى فضله عليَّ ما حييتُ، وإذا به يريد أن يقرأ عليَّ بالتجويد حيث إنه لم يكن تعلم ذلك من قبلُ، فأكبرته وشكرته وكنتُ أحرص على أن أنفعه بما أستطيع في خجلٍ وحياء وإكبار لتواضعه وسماحة نفسه حفظه الله وتقبل منه.

وقد خَصَّصتُ للكبارِ بعدَ مُضيِّ عشرةِ أيامٍ من رمضانَ ساعةً بعد التراويح تطول وتقصر أحياناً، ولمَّا قارب رمضان على الانتهاء كاد الحزنُ يغلب فرحةَ العيد، وكان حديثنا ذلك العيد عن تلك المَجالس وروحانيتها وما فيها من الفائدة، ولم أزل أتذكر تلك المجالس بسعادةٍ حتى اليوم، وأغبط إخواني المتفرغين لإقراء القرآن وما لهم من الأجر لانقطاعهم لتعليم القرآن، وأَتَحسَّرُ على وقتٍ قضيته في غير ذلك.

وقد كَبُرَ الأبناء بعدي، ولقيت بعضهم بعد سنوات من مغادرتي للنماص في مطار الرياض وإذا به قد كبر ولم أعرفه، فسلَّم عليَّ وعَرَّفني بنفسه، وقال: عهدنا بك وأنت تعلمنا القرآن في رمضان عام 1411هـ، وإذا به أصبح ضابطاً في إحدى الكليات العسكرية، فقلت: جزاك الله خيراً فقد ذكرتني بذكريات جميلة، يكفي أنها كانت آخر العهد بيننا ولله الحمد.

وأنا أقول لإخواني وأخواتي كفائدة من هذا المشروع: تَصدَّق على مَن لا يُتقنُ قراءة القرآنِ بالاحتساب في تعليمه في هذا الشهر، واصبر نفسَكَ مع واحدٍ أو أكثر من هؤلاء لتعليمه القرآن، وتذكَّر قوله صل1: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

المشروع الثاني:

كنتُ في السنة الثالثة من المرحلة الجامعية بكلية الشريعة بأبها، وقررت أن أنقطع في شهر رمضان ذاك لقراءة القرآن فقط ومراجعة حفظه، ولعل ذلك كان عام 1413هـ. وفي آخر يوم من شعبان جاءني أحد الأصدقاء وسألني: ماذا ستفعل في رمضان هذا العام؟ قلتُ: لا شيء سأنقطع لقراءة القرآن وأتفرغ لنفسي فأرجوك اتركني وشأني، وكان ذلك الصديق محباً للصيد وملاحقته، ومحباً لأعمال البر والصدقات. فقال: اسمع يا عبدالرحمن، أنا الآن سأنزل تهامة، وأريد منك أن تتكرم بمساعدتي في إيصال بعض الاحتياجات الضرورية بسيارتكم، وكان عندنا سيارة من نوع لاند كروزر ذات الدفع الرباعي والصندوق المكشوف لحمل الأمتعة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير