ونحب أن ننبه هنا إلى أمر في غاية الأهمية، ألا وهو أن سند الرواية قد يكون صحيحا ومع ذلك يكون متنها باطلا، لكونها من خرافات بني إسرائيل وأباطيلهم وليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي أن صحة السند للرواية الإسرائيلية لا تستلزم صحة مضمون متنها.
يقول الدكتور محمد أبو شهبة رحمه الله وهو يتحدث عن الروايات الإسرائيلية:
" ولكن بعض هذه الروايات حكم عليها بعض حفاظ الحديث بأنها صحيحة السند أو حسنة السند أو إسنادها جيد أو ثابت ونحو ذلك، فماذا تقول فيها؟ والجواب: أنه لا منافاة بين كونها صحيحة السند أو حسنة السند أو ثابتة السند، وبين كونها من إسرائيليات بني إسرائيل وخرافاتهم وأكاذيبهم، فهي صحيحة السند إلى ابن عباس أو عبدالله بن عمرو بن العاص أو إلى مجاهد أو عكرمة أو سعيد بن جبير وغيرهم، ولكنها ليست متلقاة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بالذات ولا بالواسطة، ولكنها متلقاة عن أهل الكتاب الذين أسلموا، فثبوتها إلى من رويت عنه شيء، وكونها مكذوبة في نفسها أو باطلة أو خرافة شيء آخر!!!! ومثل ذلك الآراء والمذاهب الفاسدة اليوم، فهي ثابتة عن أصحابها، ومن آرائهم ولا شك، ولكنها في نفسها فكرة باطلة أو مذهب فاسد.
بعد هذا نستطيع أن نقول ــ وكلنا ثقة ــ إن ما نسب إلى الملائكة ومعهم إبليس وأنهم حاربوا الجن حين أفسدوا في الأرض وألحقوهم جزائر البحر لا دليل عليه من قرآن أو سنة يعتد بها حتى نتلقاه بالقبول، ونجعله تفسيرا لما أبهمه الله في قرآنه.
ثانيا: ملك إبليس
ومن مواطن الدخيل أيضا في تفسير قصة آدم وإبليس ما ذكره المفسرون من أن إبليس أعطي من الله ملك الأرض وملك السماء الدنيا وخزانة الجنة.
فهذا أيضا من الإسرائيليات التي لم يرد بها دليل يقطع العذر، وإنما هي روايات وآثار منسوبة لبعض الصحابة كابن عباس رضي الله عنهما، وذلك كالرواية التي ذكرها ابن جرير الطبري في تفسيره حيث يقول: " حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد قال: حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: كان إبليس من حي من أحياء الملاكئة يقال لهم " الجن " وكان خازنا من خزائن الجنة إلى آخر الرواية ". (جامع البيان للطبري: 1/ 455/606)
وواضح من سند هذه الرواية ضعفه، وقد بينا سبب ضعفه منذ قليل.
وعن هذا الأثر يقول ابن كثير: " هذا سياق غريب، وفيه أشياء فيها نظر، يطول مناقشتها ". (تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 1/ 78 ط الشعب)
ويروي ابن جرير في ذلك رواية أخرى يقول فيها: " حدثني موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة وعن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن، وإنما سموا الجن لأنهم خزائن الجنة، وكان إبليس مع ملكه خازنا. إلخ. (جامع البيان للطبري: 1/ 458/607).
ورغم أن ابن جرير قد أورد هذا الأثر إلا أنه يقول عن إسناده هذا " إذ كنت بإسناده مرتابا ". (المصدر السابق: 1/ 354)
ويعلق ابن كثير على هذا الإسناد فيقول: " فهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السدى، ويقع فيه إسرائيليات كثيرة، فلعل بعضها مدرج ليس من كلام الصحابة أو أنهم أخذوه من بعض الكتب المتقدمة، والله أعلم ". (تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 1/ 109)
ويقول صاحب أضواء البيان عن هذه الجزئية: " وما يذكره المفسرون عن جماعة من السلف كابن عباس وغيره من أنه كان من أشراف الملائكة، ومن خزائن الجنة، وأنه كان يدبر أمر السماء الدنيا، وأنه كان اسمه عزازيل ــ كله من الإسرائيليات التي لا معول عليها ". (أضواء البيان للشنقيطي: ت 1395هـ 4/ 120/121)
ثالثا: تزكية الملائكة لأنفسهم
ومن نقاط الدخيل أيضا ما نقل عن الملائكة أنهم قالوا: " ليخلق ربنا ما يشاء، فلن يخلق أكرم عليه منا، وإن كان فنحن أعلم منه، لأنا خلقنا قبله، ورأينا ما لم يره ".
¥