تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ففضلا عن هذا أن الكلام لم يرد من طريق يفيد اليقين، حتى تنشرح له النفوس، وتطمئن إليه القلوب، إلا أننا نرى فيه شيئا لا يليق بعوام المسلمين، فضلا عن الملائكة المعصومين الذين هم على الطاعة مجبولون، ولأوامر الله تعالى ونواهيه خاضعون ومنفذون. إننا نرى أنهم بهذا الكلام قد زكوا أنفسهم على الله تعالى، والله تعالى يقول: (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى). (النجم: 32) فكيف يليق بهم أن يقطعوا بما غاب عن علمهم، وعزب عن إدراكهم، من أن الله تعالى لن يخلق خلقا أكرم عليه منهم؟ ثم كيف يقطعون بأنه يكون أجهل منهم وهم أعلم منه؟

إن هذا لا يليق بمن لا شاغل له إلا العبادة، ولا هَمَّ له إلا الانقياد لأوامر الله تعالى! إننا ننزهم عن هذا العبث، ونرفعهم حيث رفعهم الله تعالى حيث يقول فيهم (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون). [النحل: 50]

رابعا: إبليس من الجن وليس من الملائكة

ومن الدخيل أيضا في تفسير هذه القصة قول المفسرين:

إن إبليس كان من الملائكة، وإلا لم يتناوله أمرهم، ولم يصح استثناؤه منهم، ولا يرد على ذلك قوله تعالى: (إلا إبليس كان من الجن) [الكهف: 50] لجواز أن يقال كان من الجن فعلا ومن الملائكة نوعا، ويذكر المفسرون أيضا أن ابن عباس قال: " إن من الملائكة نوعا يتوالدون، يقال لهم الجن، ومنهم إبليس ".

ويذكر المفسرون قولا ينص على أن من الملائكة من ليس بمعصوم .. !!!

تفنيد قول من يقول إبليس من الملائكة، وكذلك قول من يقول إن من الملائكة من ليس بمعصوم:

ونحن إذ نفند هذا الكلام نفنده من أكثر من وجه:ـ

الوجه الأول: إن كلمة (الجن) حينما تطلق فالمتبادر إلى الذهن من أول وهلة هو ذلك الذي عناه الله في قوله (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن) [الأحقاف: 29] وقال أيضا: (قل أوحيَّ إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا). [الجن: 1]

وعلى ذلك فلا يجوز صرف هذا اللفظ إلى معنى آخر.

يقول الطوسي في تفسيره: " واستدل الكرماني على أنه لم يكن من الملائكة بأشياء، منها قوله تعالى (إلا إبليس كان من الجن)، ومتى أطلق لفظ الجن لم يجز أن يعني إلا الجنس المعروف المباين لجنس الإنس والملائكة ". (التبيان للطوسي: 1/ 151).

أما تأويل لفظ الجن بأنه كان من الملائكة قبيلة تسمى الجن وإليها ينتسب إبليس، أو أنه من خزنة الجنان ــ فهذا مما لم يرد فيه نص قرآني، ولا حديث نبوي.

يقول العلامة الألوسي وهو يتكلم عن ابن جبير ورواياته في هذا الموضوع " وفي رواية عنه أن معنى كان من الجن كان من خزنة الجنان، وهو تأويل عجيب "!!!! (روح المعاني للألوسي: 15/ 268).

الوجه الثاني: أن الله أثبت لإبليس ذرية ونسلا، أما الملائكة فلا ذرية لهم، ولا نسل، والإنسان يعجب مما ينسب لابن عباس من أن من الملاكئة نوعا يتوالدون يقال لهم الجن ومنهم إبليس!!!

بل إن هناك قولا عن ابن عباس في رواية أخرى ينص فيها على أنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة. (انظر محاسن التأويل للقاسمي: 2/ 103)

ولقد جرت سنة الله تعالى في كونه أن التوالد إنما يأتي من ذكر وأنثى، وإذا لم يكن في الملاكة أنثى فكيف يتم التوالد؟

إن الإنسان ليشعر بالاشمئزاز من هذه الروايات، خاصة وأن القرآن ينكر على الكفرة قولهم إن الملائكة إناث، يقول تعالى (وجعلوا الملاكئة الذين هم عباد الرحمن إناثا) ثم يهددهم ويتوعدهم في نفس الآية فيقول: (أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون) (الزخرف: 19)، وإذا ثبت أن الملائكة لا يتوالدون، وأن الجان يتناكحون ويتناسلون وأن إبليس له ذرية لقوله تعالى (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني) [الكهف: 50]، إذا ثبت ذلك علم يقينا أن إبليس كان من الجن ولم يكن من الملائكة.

الوجه الثالث: أن الله تعالى أخبر عن إبليس أنه (أبى واستكبر وكان من الكافرين)، وقال عن الملائكة (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) [الأنبياء: 20] وقال: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون). [التحريم: 6].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير