تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال: (فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون) [فصلت: 38]، فهل من المنطق السليم والتفكير القويم أن نجعل ذلك الذي كفر وأبى من هذا النوع الذي لا يعرف غير طاعة الله تعالى ليل ونهار، لا يصيبه فتور، ولا يعتريه ملل، ولا يشعر بنصب ولا لغوب؟

وهل من الصائب ــ بعد كلام الله تعالى عن الملائكة والثناء عليهم ووصفهم بما وصفهم به من العصمة والخوف ــ أن نقول إن من الملائكة من ليس بمعصوم؟ إن أدنى مقارنة بعد جمع الآيات التي تتعلق بعصمة الملائكة وفسق إبليس وكفره تبين لنا البون الشاسع في نوعية كل منهما، وتبين أن إبليس فسق وعصى وكفر لأنه من الجن الذي من طبعه هذا.

يقول الزمخشري: (كان من الجن) كلام مستأنف جار مجري التعليل بعد استثناء إبليس من الساجدين، كان قائلا قال: ما له لم يسجد؟ فقيل: (كان من الجن ففسق عن أمر ربه) والفاء للتسبيب أيضا، جعل كونه من الجن سببا في فسقه، لأنه لو كان ملكا كسائر من سجد لآدم لم يفسق عن أمر ربه، لأن الملائكة معصومون البتة، لا يجوز عليهم ما يجوز على الجن والإنس، كما قال: (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) [الأنبياء: 27]، وهذا الكلام المعترض تعمد من الله تعالى لصيانة الملائكة عن وقوع شبهة في عصمتهم، فما أبعد البون بين ما تعمده الله وبين قول من ضاده، وزعم أنه كان ملكا ورئيسا على الملائكة فعصى فلعن ومسخ شيطانا ثم وركه على ابن عباس. (الكشاف للزمخشري: 2/ 487)

ويرى المعلق ونحن معه أن لفظة التعمد في جانب الله تعالى لا تليق، لأنها تطلق على من يقع منه أحيانا خطأ، وأحيانا أخرى يتعمد قاصدا.

ويقول الإمام البيضاوي عن الفاء في قوله تعالى (ففسق عن أمر ربه): " والفاء للسبب، وفيه دليل على أن الملك لا يعصي البتة، وإنما عصى لأنه كان جنيا في أصله " (أنوار التنزيل وأسرار التأويل لناصر الدين البيضاوي: 300).

وللعلامة الألوسي، وإسماعيل حقي كلام حول هذا المعنى. (انظر روح المعاني للألوسي: 15/ 294، وروح البيان لإسماعيل حقي: 5/ 255).

الوجه الرابع: أن المادة التي خلق منها إبليس ليست كالمادة التي خلقت منها الملائكة ... أأ

يقول ابن كثير: وقوله (فسجدوا إلا إبليس كان من الجن) أي خانه أصله، فإنه خلق من مارج من نار، وأصل خلق الملائكة من نور كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس [لفظ مسلم وخلق الجان] من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم " فعند الحاجة نضح كل وعاء بما فيه، وخانه الطبع عند الحاجة، وذلك أنه كان توسم بأفعال الملائكة وتشبه بهم، وتعبد وتنسك، فلهذا دخل في خطابهم، وعصى بالمخالفة، ونبه تعالى ههنا على أنه " من الجن " أي أنه خلق من نار، كما قال (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) "

(تفسير القرآن العظيم: 5/ 163، والآية من الأعراف: 12).

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإننا نرى روايات أخرى تناقص هذه الروايات وتنص على أن إبليس كان من الجن.

يقول العلامة الألوسي وهو يفسر قوله تعالى (إلا إبليس كان من الجن): " وهذا ظاهر من أنه ليس من الملائكة، نعم كان معهم، ومعدودا في عدادهم، فقد أخرج ابن جرير عن سعد بن مسعود قال: كانت الملائكة تقاتل الجن، فسبي إبليس وكان صغيرا، فكان مع الملائكة فتعبد بالسجود معهم.

وأخرج نحوه عن شهر بن حوشب، وهو قول كثير من العلماء حتى قال الحسن فيما أخرجه عنه ابن المنذر وابن أبي حاتم: قاتل الله أقواما زعموا أن إبليس من الملائكة والله تعالى يقول (كان من الجن). (روح المعاني: 15/ 292)

وروى ابن جرير عن الحسن البصري وقال عنه الحافظ ابن كثير إسناده صحيح " ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن، كما أن آدم عليه السلام أصل البشر ". (تفسير القرآن العظيم: 5/ 164)

من كل ما سبق نستطيع أن نؤكد وبكل ثقة أن إبليس من الجن وليس من الملائكة، وكل ما ورد بخلاف ذلك فهو من الإسرائيليات التي لا تستند إلى ركن ركين.

يقول الحافظ ابن كثير بعد إتيانه بعدة روايات، جاء في بعضها أن إبليس كان من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن، وأن اسمه الحارث، وكان خازنا من خزان الجنة وبعضها يقول إنه كان له سلطان السماء الدنيا، وسلطان الأرض وأنه كان رئيس الملائكة وبعضها الآخر يقول إنه كان من الجنانين الذي يعملون في الجنة، يقول رحمه الله: " وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف، وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها، والله أعلم بحال كثير منها، ومنها ما قد نقطع بكذبه، لمخالفته الحق الذي بأيدينا، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة، لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وضع فيها أشياء كثيرة، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذي ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين كما لهذه الأمة من الأئمة العلماء، والسادة الأتقياء، الأبرار النجباء، من الجهابذة النقاد، والحفاظ الجياد، الذين دونوا الحديث وحرروه وبينوا صحيحه من حسنه من ضعيفه، من منكره وموضوعه، ومتروكه ومكذوبه، وعرفوا الوضاعين والكذابين، والمجهولين، وغير ذلك من أصناف الرجال، كل ذلك صيانة للجناب النبوي، والمقام المحمدي، خاتم الرسل، وسيد البشر أن ينسب إليه كذب، أو يحدث عنه بما ليس منه، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم، وقد فعل ". (تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 5/ 165)

من كل ما سبق يتضح لنا بجلاء أن ما تعرض له المفسرون من نقاط أبرزنا ضعفها ودخالتها يجب أن تحذف من كتب التفاسير لأنها تخدم أغراض أعداء الإسلام بتصويره على أنه دين أساطير وخرافات، والإسلام منها براء.

المصدر:جامعة أم القرى ( http://uqu.edu.sa/page/ar/161135)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير