تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إنّ معنى قوله تعالى (رب العالمين) هو أنّ الله متصرف لتربية وإصلاح جميع الخلائق , وأنه لم يخلق هذا الكون ثم تركه هملا، بل يتصرف فيه بالإصلاح والتربية والرعاية , وهذه التربية والرعاية قائمة في كل وقت وفي كل حين , وبذلك يطمئن الإنسان إلى رعاية الله الدائمة والتي لا تنقطع أبدا ولا تغيب.

ومن رعاية الله لهذه الأمة أنه اختار لهم محمدا r فأدبه ورباه وجعله قدوة للمسلمين , فقال تعالى:) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ((الضحى: 6 - 11)، ورُوي عن رسول الله r أنه قال: ((أدّّبني ربي فأحسن تأديبي) (القرطبي.

ومن رعاية الله لهذه الأمة إنزال القرآن الذي هو كلامه، فكان دستورا لرعاية الله للمسلمين الأوائل, ومنهجا تربويا لكل المسلمين من بعدهم.

إنّ كون كلمة الرب ــ وهي اسم من أسماء الله تعالى ــ مشتقة من التربية ذو دلالة واضحة على أهمية هذا المنهج , أي: منهج التربية , فهو الطريق الذي سلكه الأنبياء مع الأمم التي أرسلوا إليها , وهو الطريق الذي يحتاجه المسلمون في كل زمان , وخاصة في هذا الزمان , فالإسلام لا يقوم بمجرد الدعوة إليه وإقبال الناس على أساس من تلك الدعوة , لا يقوم الإسلام ما لم يتربّ الناس في مدرسة الإسلام , و ذلك بأن يعرفوا تعاليم الإسلام ويمارسوا هذه التعاليم , فالتربية تقوم على ركنين أساسيين هما: العلم والعمل , و ربط العلم بالعمل هو جوهر العملية التربوية وأساسها. [8] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn8)

* قاعدة الإعجاز التربوي في الإيمان بصفات الله - جل جلاله:

الرحمن والرحيم: صيغ مبالغة مشتقة من الرحمة, وصفة (الرحمن الرحيم) تستغرق كل معاني الرحمة

وحالاتها ومجالاتها، والله تعالى وحده المختص باجتماع هاتين الصفتين، كما إنه المختص وحده بصفة الرحمن.

وفي مجيء قوله تعالى (الرحمن الرحيم) بعد قوله تعالى (رب العالمين) نلمح أمرين تربويين:

الأول) التأكيد على أنّ الصلة بين الخالق والمخلوق هي صلة الرحمة والرعاية , وهذه هي السمة البارزة في هذه الصلة , فالله تعالى لا يطارد عباده ولا يعاديهم ولا يدبّر لهم المكائد , وإنما هو ربٌ لهم، تعهدهم بالتربية والرعاية , وهو راحم لهم في الدنيا وفي الآخرة , قال عمر t : قدم على رسول الله r بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى، تحلّب ثديها، حتى إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألزقته ببطنها، فأرضعته , فقال رسول الله r (( أترون هذه طارحة ولدها في النار؟) قالوا: لا والله، قال: ((فالله أرحم بعباده من هذه بولدها)) (البخاري.

والثاني) إنّ وصف الله تعالى لنفسه بأنه (رب العالمين)، أي: المالك المتصرف الذي بيده كل شيء، معناه: الترهيب , وإنّ وصف الله تعالى لنفسه بأنه (الرحمن الرحيم) معناه: الترغيب , ومن هنا نجد أنّ النص القرآني قد قرن بين الترغيب والترهيب , فجمع بين صفة الرهبة من الله وصفة الرغبة في الله , ونقف هنا عند أهم الوسائل التربوية في القرآن وهي: الترغيب، والترهيب، والجمع بينهما.

هذه الوسائل التربوية الثلاثة نجدها في القرآن وفي مواضع كثيرة، كما نجدها في سنة رسول الله r وما نقل عنه من أحاديث , ومع أنّ وسائل القرآن في التربية متعددة و كثيرة، إلا أنّ هذه الوسائل الثلاثة لها مرتبة الصدارة بالنسبة لبقية الوسائل.

ومن الأمثلة على الوسيلة الأولى وهي الترغيب قوله تعالى مخاطبا المؤمنين:) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ((التوبة:105).

ومن الأمثلة على الوسيلة الثانية وهي الترهيب قوله تعالى مخاطبا الناس:) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ((البقرة:161ــ162).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير