تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومِن هنا وجَبَ على المسلِم الإيمانُ بالكتاب المحكَم منه والمتشابِه، وألاَّ يضرب الآياتِ بعضَها ببعض، ولا يُؤِّلها تؤيلاً لا يستقيم معها، ولا يُعبِّر ويُدلِّل على مرادِ الله فيها، بل يردّ المتشابه مِن الآيات، وهو قليلٌ بالنسبة إلى المحكَم منها، وهو كثيرٌ في كِتاب الله تعالى، مع العِلْم بأنَّ الله تعالى لم يجعلْ هذا المتشابه في كتابه إلاَّ لحِكمة أرادها - سبحانه وتعالى.

قال ابن عثيمين - رحمه الله - في "أصول في التفسير": "لو كان القرآنُ كلُّه محْكَمًا، لفاتتْ الحكمة من الاختبار به تصديقًا وعملاً؛ لظهور معناه، وعدمِ المجال لتحريفه، والتمسُّك بالمتشابه منه ابتغاءَ الفِتنة وابتغاء تأويله، ولو كان كلُّه متشابهًا لفاتَ كونُه بيانًا وهُدًى للناس، ولما أمْكَن العمل به، وبناء العقيدة السليمة عليه" [3] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/24134/#_ftn3).

وقال أبو بكر الجزائري - حفظه الله -: "ومنه آياتٌ أُخَر متشابهات، وهي قليلةٌ، والحِكمة من إنْزالها كذلك الامتحان والاخْتِبار، كالامتحان بالحلال والحرام، وبأمورِ الغيْب؛ ليثبتَ على الهداية والإِيمان مَن شاء الله هدايتَه، ويزيغَ في إيمانه ويضلَّ عن سبيله مَن شاء الله تعالى ضلالَه وعدم هدايته؛ فقال - تعالى -: ? فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ? [آل عمران: 7]؛ أي: ميل عن الحق ? فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ? [آل عمران: 7]؛ للخروج به عن طريق الحقِّ، وهدايةِ الخَلْق، كما فعل النصارى حيث ادَّعَوْا أنَّ الله ثالثُ ثلاثة؛ لأنَّه يقول: نخلق ونُحيي" [4] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/24134/#_ftn4).

كما أنَّ على المسلِم أن يعلمَ أنَّ مِن تعظيم النصوص الشرعية الإيمانَ بالمتشابه، والعملَ بالمحكَم، مما في كتاب الله تعالى ووحْيه المنزل؛ كما قال تعالى عن حالِ أهل الإيمان: ? وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ? [آل عمران: 7].

أمَّا حال أهل الزَّيغ والضلال، فهُم على خلاف أهل الإيمان، فحالُهم كما قال - تعالى -: ? فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ? [آل عمران: 7]، وجاء في الحديث: ((إنَّ القرآن لم ينزلْ يُكذِّب بعضُه بعضًا، بل يُصدِّق بعضُه بعضًا، فما عرفْتُم منه فاعملوا به، وما جَهِلتم منه فردُّوه إلى عالِمه))؛ وهو حديث عند الإمام أحمد، وصحَّحه العلاَّمة أحمد شاكر.

وقال الضحَّاك: نعمل بالمحكَم، ونُؤمن بالمتشابِه، ولا نعمل به، وكلٌّ من عند ربِّنا.

وهذا ما كان عليه الصحابةُ ومَن تبعهم، وأئمة الهدى الأربعة، وأئمَّة الحديث من أهل السُّنة جميعًا، وما خالَف في ذلك أحدٌ إلا مَن شذَّ من أهل البِدع والأهواء، والزَّيْغ والضلال، الذين قالوا بتعارُض الأدلَّة في القرآن والسُّنة، وتوهَّموا ذلك في نصوصٍ كثيرة، ولو ردُّوا المتشابه منها إلى المحكَم لَمَا صار هناك تعارضٌ ولا تأويل مخالِف، لكنَّه اتباع الأهواء، ومخالفة الطريق، والهُدَى والسُّنة، وهذه طرق أهل البِدع والضلال في كلِّ زمان ومكان، وما كتاب شيخ الإسلام في درْء ورد ما زعموا من تعارُض العقل مع النقل، إلا فِقهٌ بيِّن لحقيقة هذه الفِرق والمذاهب، وخطرها على عقيدةِ الإسلام وسائرِ شرائعه.

إنَّ منهج الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين قام في حقيقةِ الأمر على تعظيمِ نصوص الوحيين القرآن والسُّنة، وكمال التسليم لهما، أمَّا المخالِفون لمنهجهم وطريقهم مِن أهل البِدع والأهواء، فقد زلَّتْ أقدامهم، وضلَّت عقولهم في ذلك، فحرَّفوا وغيَّروا، وبدَّلوا وأوَّلوا، ووقَعوا في الفتنة والزيغ والضلال، فضلُّوا وأضلُّوا عن سواء السبيل، وإنَّ الحق والهُدى والنجاة في متابعةِ ما كان عليه أصحابُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنَّهم كانوا على الهُدَى المستقيم.

ـ[عاطف الفيومي]ــــــــ[04 Aug 2010, 02:28 ص]ـ

ثانيًا: نشأة التفسير وأهميته:

ونظرًا لِمَا سلَف ذكْرُه من الإشارة إلى كوْن القرآن محكَمًا ومتشابهًا، وكذلك لحاجة الناس إلى معرفة معاني القرآن، والكشْف عن مرادِ الله تعالى فيها، فقد دعتِ الحاجة إلى قيام علم "التفسير" لكتاب الله تعالى.

و (التفسير) - كما بيَّنه أهل العلم - مِن (الفَسْر)، وهو الكشْف عن معاني القرآن الكريم، وبيان مرادِ الله فيها، وتبيين ذلك للناس.

وقد نشَأَ منذ عصْر الصحابة عِلمُ التفسير القرآني، فقد أصبح الناس يسألون بعضَ الصحابة عن معاني بعض الآيات، وبعضُ الصحابة كانوا على عِلْم كامِل بمعاني القرآن.

وكانوا يفسِّرون القرآن مع إقرائه، أو دون إقرائه، حتى رُوي أنَّ ابن عباس - رضي الله عنهما -: فسَّر مرَّةً سورة البقرة، وفي رواية سورة النور في الحج، تفسيرًا لو سمعتْه الروم والتُّرك والديلم لأسْلَموا [5] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/24134/#_ftn5).

وبذلك بدَأَ عِلم التفسير، ثم أخَذ ينمو نموًّا مطردًا ويتنوَّع، ولما ظهرتِ الفِرَق الإسلامية، أصبحتْ هذه الفِرق تحاول أن تفسِّر القرآن حسبَ آرائها، وأصبح التفسير في بعض الأحيان يتَّبع الرأي، ولا يتَّبع الرأي القرآني.

وهذا الذي حذَّر منه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين قال: ((مَن قال في القرآن بغيْر عِلم - وفي رواية: برأيه - فليتبوأ مقعدَه من النار))، فالتفسير بالهوى هو الضلال، وليس طبعًا التفسير الذي يقوم على فَهْم سليم للغة العربيَّة، وفهْم دقيق للسُّنة وأقوال الصحابة [6] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/24134/#_ftn6).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير