لم أكن أقصد استفزازك، ولكن استدرجني أسلوبك فكان ما كان ..
= أما الغيب فمنه مطلق موقوف على السمع، ومنه نسبي كالتاريخ، كالمسألة التي نحن بصددها ..
= ومسائل العقيدة معروفة، وليست منها هذه المسألة، ولا هي في كتب العقائد، وتجدها في باب الوضع من علم أصول الفقه، ومن علم أصول اللغة، وهي مسألة نظر قد يُعجز عنها، ولا تكليف إلا بما في الطاقة .. وجعلك إياها من العقيدة ارتباك في تصنيف المسائل العلمية.
= كلام أهل الجنة بالعربية وارد في حديث حسنه الحافظ السلفي وضعفه كثيرون، ويقتضي بقاء القرآن متلوا في الآخرة كما كان في الدنيا أو يستلزم بقاء العربية معه في الآخرة، فهي لسانه المبين، وتعلم آدم للأسماء كلها يستلزم علمه بها عربية ضمناً، على أقل تقدير، وليست هذه على كل حال هي محل نزاع هنا، والأمر فيها ذو سعة .. وإنما ذكرت استطرادا ..
محل النزاع في مشاركتك وتعقيبك على الأخ النور: أنك تجعل العربية كغيرها من اللغات وتنتقص من علماء العربية وتطرح مدوناتها المنقولة الحية اليانعة (ولو كانت حديثا)، وتجعل اهتمامك بنقوش الأمم الخالية وحفريات الرمم البالية، فتجعل تلك النقوش إمامك في كتابة التاريخ اللغوي لجزيرة العرب، وتعتقد أن ذلك ثورة وهدم للنظريات القائمة:
انظر إليك تقول:
أقوى الأدلة وهو ما لا يحتمل فيه ما يحتمل في الرواية الشفوية – حتى لو كانت حديثا نبويا – من وهم وسوء حفظ وغفلة ونسيان وتدليس واختلاط وكذب وافتراء، حجر أو رقيم طيني كتب عليه كلمات بلغة ما، ليس في الأدلة أقوى من هذا، خاصة في اللغة.
فرغم قلة تلك النقوش وظنيتها وانقطاع الزمان بها وثانويتها وجهالة كتّابها وقصتهم وانتمائهم واحتياجها إلى مزيد بحث وحفر ومقارنات .. تقرر أنها أقوى الأدلة .. اغتراراً بالأحجار.
من أين اكتسب عندك هذا الدليل الحجري الميت قوته الخارقة التي تفند أقوال الجاحظ وابن العلاء وسيبويه وابن الهمام ..
ولو بعث كاتب ذلك الرقيم الطيني وتكلم بلسان ما كتبه لما عددنا ذلك دليلاً عن تاريخ لغات الجزيرة، ليناقض حاضرها الإسماعيلي العربي أو الجرهمي .. بل لعرفنا أن صاحب ذلك الحجر له لسان يوافق أو يخالف لسان العرب، لسان الجزيرة العام .. وأنت تعرف أن الشعوب لا تهتم بكتابة النقوش، إنما الذي يسطر تلك النقوش هم قلة متنفذة، قد تكون محتلة!! (هذا تشكيك في مصداقية نقوشك) ..
ووجود رقيم منقوش عليه لغة غير عربية لا يقتضي أن العربية ليست موجودة، ففقدان الشيء لا يقتضي نفيه ..
نعم ليس للعربية نقوش وفيرة .. والسبب هو أميتهم، ليسوا كاليمنيين، وكالشاميين والعراقيين (الآرميين) [الرافعي في تاريخ آداب العرب]. العرب نقوشهم في صدورهم ..
وذهبت - بحجر ملقى في رمال صحرائك (مشكوك في مصدره وكاتبه وغرضه) - تقطع أن نوحاً يمني، والمعروف أنه من شمال الجزيرة.
وذلك في قولك عن (يعوق) من أسماء أصنام قوم نوح.
كيف تقطع بأن وجود أسماء أصنام قوم نوح في حجر يماني دليل على يمنية نوح، وتعلم أن تلك الأسماء كان يعرفها العرب ووردت في القرآن، فالقرآن يماني على رأي حَجَرك؛ أقصد على قولك .. !!.
أفلا يدل وجود تلك الأسماء في الحجر وفي القرآن أن لغة قوم نوح كانت كلغة قريش التي عرفت: ودا وسواعا ويعوق ويغوث ونسرا؟. فلو جئت بمثال آخر ليس فيها هذا الإشكال!
ملاحظة: يذكر أن إسماعيل أول من أعرب وليس أول من نطق.
تنبيه: يجوز أن نقول: دعاوي ودعاوى كصحاري وصحارى وعذاري وعذارى.
مع اعتذار من الأخ محمد بن جماعة.