تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأصوات على محسوس الأحداث " [8] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn8).

ـ بابا أسماه (إمساس الألفاظ أشباه المعاني)، وقد عنوَن الشراح أمامه: (مناسبة الألفاظ للمعاني)، ومما ورد تحت هذا العنوان بعض الأمثلةكالخنن في الكلام أشدّ من الغنن، والخنة أشد من الغنة ... " [9] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn9) ، وقال فيه: "اعلم أن هذا موضع شريف لطيف، وقد نبه عليه الخليل وسيبويه، وتلقته الجماعةبالقبول". وقدأدرج ابن جني والسيوطي في هذا الباب حكاية الأصوات.والخلاصة: أن المراد بالمناسبة الصوتية إحدى المعاني الآتية:

1 - مقاربة الصيغ اللفظية للمعاني الموضوعة لها.

2 - تصوير الألفاظ على هيئة معانيها.

3 - مقابلة الأصوات بما يشاكل أصواتها من الأحداث.

لقد اعتنيَ القرآن بالجرس والإيقاع اعتناءه بالمعنى، وهو لذلكيتخير الألفاظ تخيراً يقوم على أساس من تحقيق الموسيقى المتسقة مع جو الآية وجو السياق، بل جو السورة كلها في كثير من الأحيان، وبخاصة تلك السور القصار التي حفل بها العهد المكي لتأكيدها أصول العقيدة. وهذه السور التي ما أن سَمع بعضها الوليد بن المغيرة (وهو رأس الشرك والكفر) حتى قال قولته المشهورة: "والله لقد سمعت منه كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو وما يعلى عليه، وما يقول هذا بشر" [10] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn10).

إذا كانت حلاوته هي دلالاته ومعانيه، فما هي طلاوته؟! إنها أصواته ذات الأثرٌ الموسيقي الخاص الموحي إلى السمع بتأثيرات مستقلة تمام الاستقلال عن تأثيرات المعنى وعن مجرد كون اللفظ رقيقاًوغيررقيق.

إن اللفظة القرآنية تقوم على الدقة والانتقائية، فكل مفردة في القرآن مختارة لتؤدي وظيفتها بدقة متناهية، مع مراعاة دلالتها الإيحائية الفردية والسياقية، وجرسها الموسيقي القائم على أصواتها، ولذلك يستحيل زحزحتها عن مكانها أو استبدالها بغيرها، فاللفظة كائن مستقل له بصمته الخاصة به، والمختلفة عن غيره.

إن العامل الأساسفي اختيار اللفظة دون غيرها هو ما تعطيه من معانٍودلالاتٍ إلى جنب الدلالة الأساسية التي قد تشترك فيها مع غيرها من الألفاظ.

نماذج المناسبة الصوتية:

لقد توافرت ألفاظ كثيرة دلت عند إطلاقها في القرآن على مناسبتها للصوت، ومناسبة الصوت لها بشكل دقيق وجميل، وهذا من باب مصاقبة الألفاظ للمعاني بما يشاكل أصواتها، أو مقاربتها، أو حكايتها لها، فجاءت الألفاظ متلبسة بأصوات الحروف على سمت الأحداث المعبَّر عنها، قال سيد قطب [11] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn11): " تجد الإعجاز في اختيار الألفاظ لمواضعها ونهوض هذه الألفاظ برسم الصور على اختلافها"، وقال الرافعي [12] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn12): " لا جرم أن المعنى الواحد يعبَّر عنه بألفاظ لا يجزي واحد منها في موضعه عن الآخر؛ لأن لكل لفظ صوتا بما أشبه موقعه من الكلام ومن طبيعة المعنى الذي هو فيه، والذي تساق فيه الجملة .. ". ومن أمثلة ذلك ما يأتي:

- قوله تعالى: " كَلَّا لَيُنْبَذَنَّفي الْحُطَمَةِ " [الهمزة: 4]

سنقف في هذه الآية على التناسب بين المفردات باحتلال كل لفظة مكانها، وتلاؤمها مع السياق والمعطيات من: مبنى ومعنى وصورة وظل وإيحاء، بحيث تتداعى الألفاظ، وتتناسق لترسم صورة حية، وتحدث حركة قوية، وتنشئ تجاوبا عميقا، ورجة نفسية، وهزة وقشعريرة.

وليكن البدء بـ"كلا" التي تفيد الردع والزجر [13] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn13) ، وتحمل في طياتها الرهبة والخوف، وتجبر متلقيها على الوجوم والسكون، بل على الشرود والذهول انتظارا لما بعدها، وهو الحكم الصادر من الله سبحانه، قال القرطبي:" لَا يُوقَف عَلَى " كَلَّا " جَمِيع الْقُرْآن؛ لِأَنَّهَا جَوَاب، وَالْفَائِدَة تَقَع فِيمَا بَعْدهَا" [14] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn14).

نصُّ هذا الحكم الإلهي هو: " لَيُنْبَذَنَّفي الْحُطَمَةِ". اشتمل هذا الحكم على كلمتين قويتين شديدتين على النفس البشرية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير