تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأولى: لفظة "لينبذن" وتفيد في التفسير: " لَيُطْرَحَنَّ وَلَيُلْقَيَنَّ " [15] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn15)، وهي في اللغة مأخوذة من مادة (نبذ) وتعني: الطرد والطرح والنفي والإهمال لكل ما هو هين وحقير، وطبعا الكافر الذي أهان نفسه في هذا الدنيا بكفره وجحوده سيكون أهون على الله يوم القيامة، ولذلك جاز في حقه النبذ بكل ما تحمله الكلمة من معاني الهوان والضياع.

وردت هذه الكلمة بمشتقاتها في القرآن اثنتي عشرة مرة، فجاءت فعلا مجردا ومزيدا، وماضيا ومضارعا وأمرا، ومعلوما ومجهولا، ودلت في جميع سياقاتها على الأصل اللغوي الذي ذكرناه، وإنها وإن اتفقت في دلالتها العامة، إلا أنها قد لبست في كل سياق لبوسا خاصا ومميزا يطبعها بطابع دقيق يمنحها لونا وحركة وعبقا مختلفا، ويهبها جرسا وإيقاعا مؤثرا، ويعطيها إيحاء رائعا.

إن صيغة (لينبذنَّ) وما فيها من تشديد، وتأكيد باللام والنون، وما تحدثه من جرس، وضغط وثقل في النطق على النفس، تؤكد دقة الاختيار، وإن بناء الصيغة للمجهول يزيد الإيحاء شدة، والوقع قوة بما ينشره من ظلال حول القوة الخفية، وهم زبانية جهنم الشداد.

والثانية: (الحطمة) لفظة على وزن (الفعلة)، وهي مأخوذة من الحَطْم، ومن مشتقاتها: الحَطوم، والحاطوم، والحُطمة، والحَطِم، والحُطَم، وقد أطلقت على: الأسد لأنه يحطم كل شيء، والريح لأنها تهشم البناء وتقوضه، والأكول؛ لأنه يلتهم كل شيء ولا يشبع، والراعي؛ لأنه يحطم الغنم عندما يسوقها إلى مرعاها، والسنة المشؤومة اليابسة؛ لأنها يتحطم فيها كل شيء. والملاحظ أنها كلها تشترك في معنى واحد وهو: التهشيم لكل ما هو يابس كالعظم وغيره. وهي وإن وردت في القرآن في ستة مواضع: مرة وحيدة بصيغة الفعل المضارع في آية النمل، وثلاث مرات بصيغة (حُطام) في الزمر والواقعة والحديد، ومرتين بصيغة (الحطمة) في الهمزة، إلا أنها لم تتخلف عن الملحظ الدلالي الأصيل، بل لم تستعمل إلا للدلالة عليه، قال القرطبي [16] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn16) : " وَهِيَ نَار اللَّه. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَكْسِر كُلّ مَا يُلْقَى فِيهَا وَتُحَطِّمهُ وَتُهَشِّمهُ "، وقال أبو حيان [17] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn17): " وهي النار التي من شلأنها أن تحطم كُلّ مَا يُلْقِيَ إليها".

إن الألفاظ (كلا، لينبذن، الحطمة) مختارة بدقة متناهية، وإنها متناسبة في دلالاتها الفردية والسياقية، مما أهلها لأن تبرز المعنى بدقة وأمانة، وتعطي صورة تعبيرية موحية وناطقة، وتضفي على النص جرسا موسيقيا مدويا ومروعا يجعل المتلقي خائفا وحزينا.

إن هذا التناسب منح هذه الألفاظ جاذبيتها، واستحواذها على النفس، وإن الدقة في اختيارها في هذا الاستعمال يتناسب مع سياقها العام، فبعد (كلا) الرادعة جاء الجواب بكلمة (لينبذن) التي تشعرك وكأنها صورة حسية ترى بالعين، وتبعث فيك القلق والخوف، والاحتقار والمهانة، ثم جاءت كلمة (الحطمة) المطابقة في وزنها لـ (همزة لمزة) لتمس الأسماع وتقرع الآذان بدويها الهادر، وصوتها المجلجل. وهكذا تحقق الكلمات الثلاث تناسبا متكاملا وشاملا؛ فيه دقة في الوضع والاختيار، وفيه جمال التصوير والوصف، وفيه روعة التعبير والإيحاء، وفيه قوة الجرس والنغم والموسيقى. وهكذا غدت الآية وحدة متوازية متناسقة، بل لوحة فنية تحمل صورة كلية مؤثرة ذات لون وحركة وصوت.

قوله تعالى: "فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّك سَوْطَ عَذَابٍ " [الفجر: 13]

أصل (صب) في اللغة سكب الماء ونحوه صبا أي: أراقه مع تدفق، وانصب في الوادي صبيبا انحدر. وردت (صب) في القرآن فعلا ومصدرا خمس مرات: في سورة عبس مرتين وجاءت على الأصل اللغوي في الماء "أنا صببنا الماء صبا "، وفي الدخان (48)، والحج (19) في صب الحميم بجهنم، في الفجر (13) صب سوط العذاب. والسوط في اللغة ما يضرب به، والقرآن شبه عذاب النار به، قال أبو حيان الأندلسي [18] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn18): " ويقال: صب عليه السوط وغشاه وقنعه واستعمل الصب لاقتضائه السرعة في النزول على المضروب .. وخص السوط فاستعير للعذاب؛ لأنه يقتضى من التكرار والترداد ما لا يقتضيه السيف ولا غيره "، وقالت بنت الشاطئ: "وصل (صب

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير