سوط العذاب) بالتعذيب والعقاب إلى أقصى المدى بما يعني من تدفق وغمر، مع إسناده إلى الخالق الجبار" [19] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn19)، وقال سيد قطب: "وهو تعبير يوحي بلذع العذاب حين يذكر السوط، وبفيضه وغمره حين يذكر الصب حيث يجتمع الألم اللاذع والغمرة الطاغية" [20] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn20).
إن التناسب في الآية بين (صب وسوط) واضح وجلي، وإنه يرسم صورة مجسدة متحركة بشتى أنواعها، والتصوير أداة مهمة يستخدمها القرآن في ألفاظه لعرض صورة المشهد، ولتقريب الصور إلى الأذهان، وتجسيدها في صور حسية، وإعطائها صفة الحياة، إن "التصوير هي الأداة المفضلة في أسلوب القرآن، فهو يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني والحالة النفسية، وعن الحادث المحسوس، والمشهد المنظور؛ وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية، ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها نحوها فيمنحها الحياة الشاخصة والحركة المتجددة فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة وإذا اللوحة النفسية لوحة أو مشهد وإذا النموذج الإنساني شاخص حي وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية فأما الحوادث والمشاهد والقصص والمناظر فيردها شاخصة حاضرة فيها الحياة وفيها الحركة فإذا أضاف إليها الحوار فقد استوت لها كل عناصر التخييل " [21] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn21).
إن وجه الدلالة في (صب) تجسيد الكثرة والتتالي والسرعة، وفي اجتماع هذه المعاني قوة، فإذا أسندنا (صب) إلى (السوط) وقع تناسب دلالي، وانسجام معنوي دقيق وجميل، ذلك أن السوط يستخدم في العذاب، ويقتضي استعماله التكرار والسرعة والقوة بخلاف السيف وغيره.
إن هاتين اللفظتين (صب وسوط) تعطيان صورة حية لعذاب يوم القيامة مما يجعل المخيلة تهتز لتدرك دقة هذا التصوير الحركي وأبعاده وآثاره على نفس المتلقي.
– قوله تعالى: "وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً" [النبأ: 14]
(المعصرات) من عصر، وجاءت في التفسير بالمعاني [22] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn22) الآتية: أولها: الرياح، وكأنها تعصر السحاب، وثانيها: السحب، أي السَّحَائِب التي تَنْعَصِر بالماء ولمَّا تمطر بَعْد، وثالثها: السحب؛ لأنها تمطر، ورابعها: السماء، وآخرها: الْمُعْصِر للجارية التي قد قربت من البلوغ يقال لها: مُعْصِر؛ لأنها تُحْبَس في البيت، فيكون البيت لها عَصْرًا.
والمختار من هذه الأقوال أن المراد بالمعصرات السحب التي تعتصر بالمطر، أي: تصب، ولو أراد الرياح؛ لقال: (بِالْمُعْصِرَاتِ) [23] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn23) ، ففي الصحاح [24] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn24): " والمعصرات: السحائب تعتصر المطر، وأُعْصر القوم، أي: أُمْطروا"، وقال القرطبي [25] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn25): " والسحب أيضا تسمى المعصرات؛ لأنها تمطر". وفسرها ابن عباس [26] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn26) بـ "السحاب يعصُرُ بعضهبعضاً فيخرج الماء من بين السحابتين .. ".
وما من شك في أن هذه اللفظة تصف السحب وصفا دقيقا ومعبرا، وتصورها أجمل وأصدق تصوير، ولطالما تلمس (صاحب الظلال) هذاالأمر وقد كان "أفضل من فصل ما بين جرس اللفظ وظله، والذي كثيراً ما تصوّر أنه واحد؛ لأن الجرس خاص بالصوت والموسيقى، أما الظلّ فهو استدعاء صورة المدلول الحسي " [27] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn27).
- قوله تعالى: "فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ" [الرحمن: 66]
لقد استخدم كلمة (نضخ) بدلاً من (نضح)، وكلتاهما تعني خروج الماء، فـ (النضخ والنضح) واحد إلا أن لفظة (تنضخ) تدل على اشتداد فورانه من ينبوعه [28] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn28)، ولفظة (تنضح) تدلّ على تسرب السائل في بطء، قال القرطبي [29] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn29): " أَيْ فَوَّارَتَانِ بِالْمَاءِ، عَنْ اِبْن عَبَّاس. وَالنَّضْخ بِالْخَاءِ أَكْثَر مِنْ النَّضْح بِالْحَاءِ ". إن هذا التوضيح يعطي اللفظة معناها الدقيق، وصورتها المحسوسة، وصوتها المسموع، وعلى رأي ابن جني فإن اختيار (تنضخ) أدق في هذا السياق؛ لأن الخاء من
¥