ـ[علي عدلاوي]ــــــــ[13 Aug 2010, 12:55 م]ـ
ويترك إبراهيم قومه حين خرجوا من القرية، فيعمد إلى كبير آلهتهم فيضع المعول في عنقه، بعد أن يحطم الأوثان الصغيرة، يسفه بذلك أحلام قومه الذين ألغوا عقولهم وخالفوا منطقها الصحيح.
وما أحوج مسلمي اليوم الذين تعودوا على أداء الطقوس الدينية بمجرد وراثتها عمن سبق من الآباء والأجداد إلى إعمال عقولهم والاستدلال بها على قضايا الإيمان، لأن هذا الاعتقاد الفاتر، وهذا الانهزام المقيت في شتى مجالات الحياة إنما يعكس ضبابية الإيمان وهوانه في نفوس أصحابه، ذلك بالرغم من توفر النصوص التي عز بها الأوائل وأقاموا بها حضارة ملأت الآفاق.
وليس هذا الكلام مما يطعن في إسلام الناس وإنما هو من باب طلب اليقين والطمأنينة التي احتاجها إبراهيم عليه السلام نفسه حين رجا ربه بقوله: (رب أرني كيف تحيي الموتى؟ قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) 8،فهو رغم يقينه إلا أنه أراد أن يتحقق و يطمئن، وكذلك موسى عليه السلام حين طلب من مولاه أن يريه وجهه الكريم في قوله: (رب أرني أنظر إليك قال لن تراني) 9 .. وإن كان حال موسى يعكس الشوق إلى رؤية المحبوب إلا أنه أيضا يدل على حاجة فطرية في نفس الإنسان إلى التبين والمكاشفة ليزداد الإيمان والتحقيق .... وهاهو عُزير يتبين حقيقة القدرة الإلهية المطلقة من خلال عمليتي الإماتة والإحياء في قوله تعالى: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشرها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير) 10.
ولتأكيد أمور الغيبيات المستترة عنا ورد في القرآن أن الله تعالى سيجعلها حقائق مكشوفة يوم القيامة، ليحصل اليقين لكل المخلوقات مؤمنهم وكافرهم، ومن ذلك قوله عزوجل: (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمومنون) 11.
ـ[علي عدلاوي]ــــــــ[13 Aug 2010, 12:56 م]ـ
المبحث الثاني: التثبت والتبين في مجال العبادات
يقوم الإسلام على التبين في العبادات، ففي مجال:
*الطهارة: ينبغي التبين من طهارة ماء الوضوء و الغسل (لم يتغير طعمه و لونه و ريحه) ومن أجل ذلك اعتبر الشارع الحكيم مجرد الشك في الحدث بعد الطهور ناقضا للعبادة.
كما أمر بالتبين من الحدث نفسه، إن كان أكبرا يوجب الغسل كالحيض و المني،أو أصغرا يكفي منه الوضوء كالمذي و الودي، و جعل الحيض علامة على براءة الرحم من الحمل (و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) 12.
*وفى مجال الصلاة، أمرنا بالتبين من الوقت،فالصلاة باطلة قبل دخول الوقت إن أديت ولا تكون أصلا واجبة، قال تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) 13،و قال: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) 14،وطبيعي أن معرفة الوقت تحتاج إلى التبين بترصد حركتي الشمس و القمر.
*وفى مجال الصوم أيضا،لابد من التثبت من هلال رمضان، فقال تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) 15، وقال صلى الله عليه و سلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) 16.
ولذلك إن غم علينا و لم نتثبت من دخول أول رمضان، أكملنا عدة شعبان ثلاثين يوما، وكذا يجوز الأكل و الشرب و الجماع طيلة ليل رمضان و إذا تبين للمسلم الفجر يمسك عن ذلك كله لقوله تعالى (و كلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) 17.
*وفي مجال الزكاة ينبغي التثبت من أمور مهمة مثل بلوغ النصاب و السن و دوران الحول و معرفة من يستحق الزكاة فعلا وغير ذلك مما اشترطه الفقهاء ...
ـ[علي عدلاوي]ــــــــ[13 Aug 2010, 12:58 م]ـ
المبحث الثالث: التثبت و التبين في مجال المعاملات و الأخلاق
للكلمة خطرها و أثرها على الفرد و المجتمع، فكم من كلمة صنعت مجدا أو دعت إلى الخير أو أصلحت بين طرفين متنازعين ... وكم من كلمة أثارت عداوات وأشعلت حروبا وورثت ضغائن طال أمدها ...
¥