وهم لن يتناولوه في حقيقته إلا إذا وقفوا حياتهم كلها على تحقيق مدلولاته وعلى خوض المعركة مع الجاهلية باسمه وتحت رايته" 15
ومن أقواله أيضا: " ... هو كتاب هذه الدعوة , هو روحها وباعثها. وهو قوامها وكيانها. وهو حارسها وراعيها. وهو بيانها وترجمانها. وهو دستورها ومنهجها. وهو في النهاية المرجع الذي تستمد منه الدعوة ــ كما يستمد منه الدعاة ــ وسائل العمل , ومناهج الحركة , وزاد الطريق ... ولكن ستظل هنالك فجوة عميقة بيننا وبين القرآن ما لم نتمثل في حسنا ونستحضر في تصورنا أن هذا القرآن خوطبت به أمة حية ذات وجود حقيقي ; ووجهت به أحداث واقعية في حياة هذه الأمة ; ووجهت به حياة إنسانية حقيقية في هذه الأرض ; وأديرت به معركة ضخمة في داخل النفس البشرية وفي رقعة من الأرض كذلك معركة تموج بالتطورات والانفعالات والاستجابات وسيظل هنالك حاجز سميك بين قلوبنا وبين القرآن طالما نحن نتلوه أو نسمعه كأنه مجرد تراتيل تعبدية مهومة لا علاقة لها بواقعيات الحياة البشرية اليومية التي تواجه هذا الخلق المسمى بالإنسان والتي تواجه هذه الأمة المسماة بالمسلمين بينما هذه الآيات نزلت لتواجه نفوسا ووقائع وأحداثا حية ذات كينونة واقعية حية ; ووجهت بالفعل تلك النفوس والوقائع والأحداث توجيها واقعيا حيا نشأ عنه وجود ذو خصائص في حياة الإنسان بصفة عامة وفي حياة الأمة المسلمة بوجه خاص ومعجزة القرآن البارزة تكمن في أنه نزل لمواجهة واقع معين في حياة أمة معينة في فترة من فترات التاريخ محددة وخاض بهذه الأمة معركة كبرى حولت تاريخها وتاريخ البشرية كله معها ولكنه مع هذا يعايش ويواجه ويملك أن يوجه الحياة الحاضرة وكأنما هو يتنزل اللحظة لمواجهة الجماعة المسلمة في شؤونها الجارية وفي صراعها الراهن مع الجاهلية من حولها وفي معركتها كذلك في داخل النفس وفي عالم الضمير بنفس الحيوية ونفس الواقعية التي كانت له هناك يومذاك .... "16
انظر لمزيد من البيان والتحقيق الظلال 2\ 1399 ... 3\ 1432 ــ 1433 3\ 1509 ... 4\ 1221 ... إلخ ...
وانظر كذلك المنهج الحركي في الظلال للخالدي 17 وفي ظلال سيد قطب لوصفي عاشور الصفحة 50 وما بعدها
العوامل التي ساعدت على ظهور المنهج الحركي في فكر سيد قطب وتفسيره:
ينبغي أن نسجل ها هنا ملاحظة مهمة وهي أنّ هذا المنهج لم يتعرف عليه سيد قطب إلاّ في أواخر كتبه ومنها الطبعة المنقحة للظلال وكان سيد ينصح قراءه وتلامذته بأن يقرأوا من كتبه التي كتبها وفق هذا المنهج وبناءً على هذه الرؤية لا المتقدمة منها والتي غابت عنها هذه النظرة ولعل من أسباب وعوامل تكونها ما يلي:
? ملاحظة الغرض الأساسي للقرآن الكريم إنّه يهدف أساسا إلى تكوين الشخصية المسلمة السوية وإلى إخراج المجتمع المنشود مجتمع خير أمة أخرجت للناس وله أغراض أخرى كثيرة هي أغراض ثانوية كلّها تصبُّ في نهاية المطاف في هذا المصبِّ العظيم
? وقفته الطويلة والشهيرة مع جيل الصحابة الكرام عليهم الرضوان وقد سماهم بالجيل القرآني الفريد ليبحث في أسباب ذلك التفرد والبروز وليخلص ابتداء أنهم إنّما " نشأوا في محضن القرآن الكريم ,وصيغوا على نصوصه , وعاشوا في ظلاله , وأنهم تلقوا القرآن وتوجيهاته للعمل والتنفيذ , وأنهم تحركوا به حركة عملية في مواجهة الجاهلية ... "18
? حياته الطويلة في جوِّ القرآن مستصحبا الملابسات والظروف التي صاحبت نزوله في مكة والمدينة وملاحظة تفاعل المسلمين الأوائل معه
? حركته العملية بالقرآن الكريم وجهاده به في مواجهته للجاهلية المعاصرة ــ كما كان يسميها ــ وملاحظته للتشابه بين الواقع الأوّل الدي نزل فيه القرآن والواقع الذي عاشه وعاصره وأنّ النص القرآني يشمل هذا الواقع الذي يعيشه كما يشمل ذلك الواقع الذي نزل فيه
? صحبته الطويلة للقرآن الكريم وعكوفه على دراسته دراسة معمقة لأكثر من عشرين سنة وبخاصة في مرحلة تواجده بالسجن حيث التفرغ والتفكر والتأمل العميق ...
? إدراكه شمول القرآن لكل ما يهم الجماعة المسلمة وبيانه لكل ما تحتاج إليه ....
? دخوله عالم القرآن الرحب بدون مقررات سابقة سوى إرادة التلقي فقط ...
¥