تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) إن المتدبر لمعنى تسمية هذه السورة بالعلق ليدل على إشراقات نورانية يريد الله سبحانه وتعالى أن تتربى عليها البشرية جمعاء من خلال التعلق بها واتخاذها منهج للحياة في كل مجالاتها، فاسم (العلق) له علاقة قوية بكل آية من آيات هذه السورة والتي تدعو العقل ليتدبر ويتأمل عظمة الله سبحانه في وضع الأشياء كلها في نظام موزون لا يخل أبدا، وأن تبدأ السورة بأمر القراءة للإنسان يبين أهمية كرامة الإنسان وعلو شأنه عند خالقه، فالإنسان المخلوق الوحيد الذي أعطاه الله نعمة القابلية للتعلم والتعليم والتفكير من خلال نعمة العقل، وأعطاه نعمة الإرادة وحرية الاختيار والتمييز، وهو من حمل الأمانة ورضي بها عن باقي المخلوقات، مما يدل على حب الله له وتميزه عن غيره من مخلوقاته، فالله الرب الخالق الذي أوجده ويعلم ما ينفع بقاءه واستمرار وجوده، فبالعلم وحده يبقى الإنسان مستمرا، وبمعرفته يستطيع أن يكون قويا، فأنت كلما قرأت واستمعت وتدبرت كلما تعرفت على خالقك فازددت قربا وتعلقا به، وازداد قلبك يقينا وإيمانا بما عنده، فبدون العلم يعيش الإنسان في جهل وضلال ولا يعرف معنى حقيقة وجوده في هذه الحياة، فالقوة العلمية والفكرية هي من تبني الإنسان الفرد وترتقي به، وهي من تبني المجتمع وترتقي به إلى معارج الحضارة والتقدم، ومن أهم العلوم التي يجب أن ينشغل الإنسان بها العلم الذي يوقظ في داخلك البصيرة لنور الحقيقة ومعرفة حقيقة وجودك وحقيقة هذه الحياة وما بعدها، علما يأخذك إلى طريق الله ليعرفك عليه فتزداد حبا وقرباً إليه عندها تتكشف لك الحجب لرؤية ما هو أعظم بنور من الله يلقيه على كل جوارحك فتصبح لا تتحرك ولا تسكن إلا معه.

وقال الامام الرازي في تفسيره حول هذه الاية " إن الحكيم سبحانه لما أراد أن يبعثه رسولاً إلى المشركين، لو قال له: اقرأ باسم ربك الذي لا شريك له، لأبوا أن يقبلوا ذلك منه، لكنه تعالى قدم ذلك مقدمة تلجئهم إلى الاعتراف به "

أمر الله لرسوله وأمته من بعده بقراءة الكون وكل ما خلقه الله من حوله في هذا الوجود وسخره لخدمتك في هذه الأرض، وقراءة كتاب الله المقروء (القرآن العظيم) لفقه أحكام وآياته، فاستخدام العقل في التدبر والتفكر ورؤية أثار وجود الله وعظمته تشدك إليه مرتبطا بحبل حبه ورحمته فيتعلق القلب به سبحانه حتى يلتصق في كل أمر من أموره بالرجوع إليه والبدء بإسمه لنيل بركته وزيادة فضله، كما أن ذكر الخلق هنا على عموم ما خلقه الله من جميع مخلوقاته المشاهدة أمام الإنسان ومنها ما خفي عن رؤيتها، فيدعو العقل للبحث والتعلم لاكتشاف ما يكشف الله للعباد مما خلقه وسخره لهم لتطوير حياتهم ونموها. فإن صفات الربوبية من الخلق والعلم هي من أعظم الصفات التي تدل على أن ذلك الرب الخالق والعليم والمعلم هو الإله الحق وهو الله، فابدأ وجودك في هذا الكون مرتبطا بعظمة ذلك الرب من خلال الإستدلال على آثار عظمته سبحانه باستخدام العقل والعلم والتفكر في الكون، فأن تبدأ السورة بأمر القراءة يبين أهمية العلم في حياة الإنسان، فهو فرض وواجب على كل مسلم ويجب الإستزاده الدائمة منه من خلال الإطلاع والبحث والاستكشاف للمعرفة وعدم الظن بالاكتفاء منه بل لا بد للإنسان أن يبقى طالبا للعلم متزودا به راحلا إليه ما دامت أنفاسه ترتفع في هذه الحياة.

ـ[آمال ابراهيم أبو خديجة]ــــــــ[15 Aug 2010, 07:21 م]ـ

أصل الإنسان المكلف

خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) ثم دعوة الله للإنسان أن يتدبر حقيقته ولا يغفل عن حقيقة وجوده وأصل تكوينه، فهو مخلوق ضعيف لم يكن شيئا مذكورا، وهو محتاج لغيره حتى يدير له شؤونه، وهو من رفعه الله عنده بالتشريف والاختصاص عن باقي مخلوقاته واختاره للخلافة في أرضه، فمن أعظم ما كرمه الله به أنه تدرج في عملية خلقه ومراحل نموه حتى وصل ليكون إنسانا عاقلا مكلفا، فالعلقة هي المرحلة الثانية من التكوين لنمو الإنسان بعد اجتماع النطفة مع البويضة في رحم المرأة فتتشكل بعدها تلك العلقة وهي أهم مرحله يبدأ فيها تشكيل الإنسان، وحسب ما جاء في قول ابن عاشور في تفسيره حول العلق

" العلق: اسم جمع عَلَقَة وهي قطعةٌ قَدرُ الأنملة من الدم الغليظ الجامد الباقي رطْباً لم يجفّ، سمي بذلك تشبيهاً لها بدودةٍ صغيرة تسمَّى علقة، وهي حمراء داكنة تكون في المياه الحلوة، تمتص الدم من الحيوان إذا علق خرطومها بجلده وقد تدخل إلى فم الدابة وخاصة الخيل والبغال فتعلق بلهاته ولا يُتفطن لها "

يقول سيد قطب في تأملاته في كتاب الظلال حول هذه الأية:

" خلق الإنسان ومبدأه: {خلق الإنسان من علق}. . من تلك النقطة الدموية الجامدة العالقة بالرحم. من ذلك المنشأ الصغير الساذج التكوين. فتدل على كرم الخالق فوق ما تدل على قدرته. فمن كرمه رفع هذا العلق إلى درجة الإنسان الذي يُعلم فيتعلم وإنها لنقلة بعيدة جداً بين المنشأ والمصير. ولكن الله قادر. ولكن الله كريم. ومن ثم كانت هذه النقلة التي تدير الرؤوس "

أصلك أيها الإنسان من علقة صغيرة وهي القطعة الصغيرة التي لا تكاد أن ترى من صغرها وحقارتها والتي تتشكل من أشياء تنفر منها النفس عند سماعها، فهي كالدودة الصغيرة الحقيرة التي لا تكاد ترى وهي سابحة في الماء العكر المنفر، فهذه بصغرها وضعفها سخرها الله لتلتصق بجدار الرحم وتكون لديها قابلية الامتصاص للدم حتى تتغذى وتكبر وتنمو لتصبح إنسانا بأجمل تقويم، فلو تفكر الإنسان بحقيقته هذه لعلم أن الله منّ عليه بالفضل العظيم وأفضل النعم أن خلقه وأوجده إنسانا مكرما أشرف من باقي مخلوقاته، ثم فضله بالعقل والقابلية للتعلم والبحث والإبداع كي يرتقي بنفسه ومجتمعه وعمارة أرضه، فمن واجب تلك النعم أن تؤثر بالإنسان فتدفعه للتعلق بخالقه وعدم الفرار منه بالتعلق بغيره ونوازع الهوى والشيطان، فهو من تكفل به وبرعايته من قبل وجوده إلى حين مماته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير