على الداعي إلى الله و المناظر في العلم أن يقصد احقاق الحق و ابطال الباطل واقناع الخصم بالحق وجلبه إليه، فيقتصر من كل حديثه على ما يحصل لهذلك، ويتجنب ذكر العيوب و المثالب -ولو كانت هناك عيوب ومثالب- اقتداءً بهذا الأدب القرآني النبوي في التجاوز مما في القوم عن كثير.
وفي ذكر العيوب والمثالب خروج عن القصد، وبعد عن الأدب، وتعد عن الخصم وإبعاد له وتنفير عن الاستماع و القبول وهما المقصود من الدعوةوالمناظرة".اهـ
---
(2) [الدعوة و الأعمال عيار على الأقوال]
عند تفسيره على (سورة يوسف/108) قال:
" .. وما انتشر الاسلام أول أمره بين الأمم إلاّ لأنّ الداعين إليه كانوا يدعون بالأعمال كما يدعون بالقول، وما زالت الأعمال عيارا على الأقوال".اهـ
وقال -كما في السابق-: " ومن الدعوة إلى الله بيان حجج الإسلام ودفع الشبه عنه ونشر محاسنه بين الأجانب عنه ليدخلوا فيه وبين مزعزعي العقيدة من أبنائه ليثبتوا عليه".اهـ
---
(3) [تفرقة بين الدعاة: الصادقين و الكاذبين]
عند تفسيره على قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.الآية؛ قال:
"ليس كل من زعم أنه يدعو إلى الله يكون صادقا في دعواه فلابد من التفرقة بين الصادقين و الكاذبين، و الفرق بينهما مستفاد من الآية بوجهين:
الأول/ أنَّ الصادق لا يتحدث عن نفسه ولايجلب لها جاها ولا مالا ولا يبغي لها من الناس مدحا ولا رفعة، أما الكاذب فإنه بخلافه فلا يستطيع أن ينسى نفسه في أقواله و أعماله، وهذا الفرق من قوله تعالى {إلى الله}.
الثاني/ أنَّ الصادق يعتمد على الحجة والبرهان فلا تجد في كلامه كذبا ولا تلبيسا ولا ادعاء مجرداً؛ ولا تقع من سلوكه في دعوته على التواء ولا تناقض ولا اضطراب، وأما الكاذب فإنه بخلافه، فإنه يلقى دعاويه مجردة ويحاول تدعيمها بكل ما تصل غليه يده ولا يزال لذلك في حنايا وتعاريج ولا تزيده إلا بعدا عن الصراط المستقيم، و هذا الفرق من قوله تعالى: {على بصيرة}." اهـ
---
(4) [المباينة والبراءة من المشركين]
ومما قاله عند تفسير قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}:
"الأمة التي بعث منها النبي –صلى الله عليه و سلم-هي أول أمة دعاها إلى الله هي الأمة العربية، وهي أمة كانت مشركة تعرف ان الله خلقها ورزقهاوتعبد مع ذلك أوثانها تزعم أنها تقربها إلى الله وتتوسط لها لديه، فكان النبي –صلى الله عليه و سلم-كما يدعو إلى الله وينزهه يعلن ببراءته منالمشركين و انه ليس منهم براءة من عقيدتهم و أقوال و أعمال شركهم فهو مباين لهم في العقد و القول و العمل مباينة الضد للضد فكما باين التوحيد الشرك، باين هو المشركين وذلك معنى قوله تعالى: {وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وهذه البراءة و المباينة - وإن كانت مستفادة من أنه يدعو إلى الله وينزهه فإنها نص عليها بالتصريح لتأكيد أمر مباينة المشركين (والبعد عن الشرك بجميع وجوهه وصوره جليه و خفيه) في جميع مظاهر شركهم حتى في صورة القول كما شاء الله وشاء فلان فلا يقال هكذا ويقال: ثم شاء فلان كما جاء في حديث بيناه في الأجزاء الماضية أو في صورة الفعل كان يسوق بقرة أو شاة مثلا إلى ضريح من الضرحة ليذبحها عنده فإنه ضلال كما قاله (الشيخ الدردير في باب النذور). فضلا عن عقائدهم كاعتقاد أن هناك ديوانا من عباد الله يتصرف في ملك الله، وإن المذنب لا يدعو الله وإنما يسأل من يعتقد فيه الخير من الأموات، وذلك الميت يدعو له الله لتأكيد أمر المباينة للمشركين في هذا كله نص عليها بالتصريح كما قلنا، وللعبد عن الشرك بجميع وجوهه وصوره جليه وخفيه.
والمباينة والتبري لازمة من كل كفر وضلال، وذلك مستفاد من الدعوة إلى الله وتنزيهه، وإنما خصص المشركين لما تقدم، ولأن الشرك هو شر الكفر وأقبحه.
¥