تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

{فأثرن به نقعاً فوسطن به جمعاً} " فجيء بهما فعلين ماضيين ولم يأتيا على نسق الأوصاف قبلهما بصيغة اسم الفاعل للإِشارة إلى أن الكلام انتقل من القَسَم إلى الحكاية عن حصول ما تَرتَّبَ على تلك الأوصاف الثلاثة ما قُصد منها من الظفَر بالمطلوب الذي لأجله كان العَدو والإِيراء والإِغارة عقبه وهي الحلُول بدار القوم الذين غزَوهم إذَا كان المراد ب {العاديات} الخيل ".

هنا نهاية لمشهد المفاجئة والإغارة بحدوث الهدف المطلوب مع السرعه المتزايده، حيث كان القوم والجمع في بيوتهم آمنين مطمئنين مستبعدين لأي خطر يحيق بهم، فكانت المفاجئة بالصحو متأخرا من نومهم وسباتهم الذي منعهم من الاستعداد لتلك الإغارة فكان ذلك سببا لفقد أمنهم وراحتهم وما تنعموا به في ديارهم من الخير الكثير وطول الأمل بالأمن.

المقطع الثاني:

تنتقل السورة لمقطع فني جديد لا بد منه أن يتسلسل ويرتبط بالمشهد الأول، حيث التخصيص هنا للإنسان المكلف الذي أراد الله سبحانه أن يعلمه ويوصل إليه العبرة من خلال المثل الواقعي الملموس في واقع الحياة.

إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)

بدأ الحديث في هذا المقطع عن الصفات السلبية في طبيعة الإنسان والتي لا يمكن أن يُعدلها ويُحسنها إلا الإيمان والمسارعه في مجاهدة النفس والتخلص من أمراضها واضطراباتها فقال الله سبحانه وتعالى واصفا للإنسان (إن الإنسان لربه لكنود) التأكيد على هذه الصفه في الإنسان فالكنود هو حسب قول ابن عاشور في تفسيره (وصف من أمثلة المبالغة من كَند ولغات العرب مختلفة في معناه فهو في لغة مضر وربيعةَ: الكفور بالنعمة، وبلغة كنانة: البخيل، وفي لغة كِندة وحضرموت: العاصي. والمعنى: لشديد الكفران للنعم).

ويقول الإمام الرازي" أن معنى الكنود لا يخرج عن أن يكون كفراً أو فسقاً، وكيفما كان فلا يمكن حمله على كل الناس، فلا بد من صرفه إلى كافر معين، أو إن حملناه على الكل كان المعنى أن طبع الإنسان يحمله على ذلك إلا إذا عصمه الله بلطفه وتوفيقيه من ذلك. "

وجاء معنى كنود في كتاب الأصفهاني " أصلها من كند أي كفور لنعمته كقولهم أرض كنود إذا لم تنبت شيئا "

فبعض الناس يكفر بنعم ربه بعد أن أعطاه الكثير منها ويزيده بعطائه كل يوم، فهذا الإنسان شاهد على نعم ربه عليه فهو المتكفل بالربوبية والإنعام والرزق لكل خلقه، لكن صنف من الناس لا يؤدي حق ربه بشكره على تفضله وإنعامه، بل في كثير من الأحيان يستخدمها في معصيته والنكران عليه والإساءة لخلقه، فهذا الإنسان الذي فُقد من قلبه طعم الشكر لنعم الله، فلا بد أن يكون من صفاته البخل وحب المال الشديد، فوصف الحب هنا بالشده دلاله على مدى تعلق القلب بالنعم والشهوات حتى أشغلته عن نفسه وعن الانتباه لسلوكه إتجاه ربه، فأغفلته عن حقيقة الدنيا التي تسير بخطواتها السريعه فتعدو مسرعه بأوقاتها كما يعدو الراكب أو الغازي ليفوز بهدفه، فحركة هذا الإنسان في سرعتة لم تكن مع الحركة التي أرادها الله، بل وجهها للركض واللهث وراء شهوات الدنيا والإنشغال بمتاعها الزائل حتى أنسته الهدف من وجوده في هذه الحياة، فباغته الموت في لحظة غفلة سباته مغطى بغبار الغشاوة التي أطلقتها سرعة حركته بالعدو وراء شهوات الدنيا فمنعت عنه التدبر والتفكر والاحتراز وأخذ الحذر من تلك اللحظة المفاجئة التي لا يعلم موعدها إلا الله.

فقول الله سبحانه (إن الإنسان لربه لكنود* وإنه على ذلك لشهيد* وإنه لحب الخير لشديد)

التأكيد في كل آية على نوازع الإنسان السلبية في الميل للحب الشديد في التعلق بالأمور الدنيوية والتي تؤدي به إلى نسيان ربه وآخرته، ولا يمكن أن يخف ذلك التعلق والحب الشديد إلا من خلال ضوابط الدين والإيمان والتعلق بحب الله ورسوله.

المقطع الثالث:

ثم تأتي نهاية الصورة لتنهي المشهد الأخير منها بالحدث المفاجئ للناس على هذه الأرض وهو يوم البعث، وبعثرت أجساد الناس التي في قبورها.

فيقول الله سبحانه

أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير