ـ[أحمد العمراني]ــــــــ[16 Aug 2010, 05:47 م]ـ
ب-مدرسة مكة والاسرائيليات:
إن المطلع على الانتقادات التي وجهت الى الكثير من علماء الأمة، الذين رجعوا الى أهل الكتاب، وأخذوا عنهم-خاصة انتقادات المستشرقين ومن ركب مركبهم من المستغربين -أحمد أمين مثلا - ليجد نفسه أمام تحامل خطير وممنهج، الغرض منه الوصول مستقبلا الى الطعن في النص المروي عنهم. إذ لو قبل المسلمون المطعن الأول لسهل قبول ما يأتي بعده.
وبالتأكيد لم يسلم أعلام "المدرسة" من هذا التحامل، ولكن الرد عليهم سهل ميسر على كل من درس مروياتهم واطلع على نصوصهم.
فابن عباس الحبر، تعلم من النبي، وفقه إرشاداته، فميز بين ما يلزم فعله وما لا يلزم.، حيث تعامل أولا مع علماء أهل الكتاب الذي أسلموا وحسن إسلامهم، مثل: عبد الله بن سلام، الذي كان أعلم اليهود وابن أعلمهم كما أخبر عن نفسه (20).وأخبر معاذ بن جبل في حديث موته أنه ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة. (21).
كما تعامل مع كعب الاحبار المعدود من علماء أهل الكتاب وأحد أحبارهم، أسلم في خلافة عمر، وشهد بتزكيته المحدثون. (22). وهي شهادة كافية في توثيقه ورد كل تهمة تلصق به.
-وقد رأى ابن عباس أن أحسن الفهم موجود عند أمثال هذا الرجل، لهذا ساءله عن كثير من القضايا المتعلقة بما تتشوف العقول الى معرفته، وقد اعتمد الحبر في هذه المساءلة طرقا متعددة.
*فتارة كان يسأله مباشرة مثل:
-ما روي عنه أنه ذهب الى كعب الاحبار فقال له: حدثني عن قول الله عز وجل "الله نور السموات والأرض " (سورة النور)، الآية، فقال كعب: الله نور السموات والأرض، مثل نوره: مثل محمد صلى الله عليه وسلم كمشكاة (23).
*وتارة كان يسأل أبناءه عن علمه مثل:
-ما رواه ابن ابي حاتم في تفسيره عن معاذ بن عبد الله بن حبيب الجهني قال: رأيت عبد الله بن عباس مر به تبيع ابن امرأة كعب فسلم عليه فسأله: هل سمعت كعبا يقول في السحاب شيئا؟ قال: نعم سمعته يقول: إن السحاب غربال المطر، ولولا السحاب حين ينزل الماء من السماء لأفسد ما يقع عليه، قال: قال سمعت كعبا يقول في الأرض: تنبت العام نباتا وعام قابل غيره؟ قال: نعم سمعته يقول: إن البذر ينزل من السماء قال ابن عباس: سمعت ذلك من كعب يقوله (24).
*ليصل به الأمر أحيانا الى جعله حكما فيما اختلف فيه مع غيره، مثل:
-ما روي عنه في تفسير قوله تعالى: " عين حمئة " قال: قرأ معاوية هذه الآية: " (عين حامية) فقال ابن عباس: إنها عين حمئة، قال: فجعلا كعبا بينهما، قال: فأرسلا إلى كعب الأحبار فسألاه، فقال كعب: أما الشمس فإنها تغيب في ثأط، فكانت على ما قال ابن عباس والشأط، الطين. (25).
*وتارة كان يراسله مثل:
-ما روي عن كريب قال: دعاني ابن عباس، فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن عباس، إلى فلان حبر تيماء: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو، أما بعد: قال: فقلت: تبدؤه تقول: السلام عليك؟ فقال: إن الله هو السلام، ثم قال: أكتب، سلام عليك أما بعد: فحدثني عن مستقر ومستودع، قال: ثم بعثني بالكتاب إلى اليهودي، فأعطيته إياه؛ فلما نظر إليه قال: مرحبا بكتاب خليلي من المسلمين، فذهب بي إلى بيته، ففتح أسفاطا له كبيرة فجعل يطرح تلك الأشياء لا يلتفت إليها، قال: قلت: ما شأنك؟ قال: هذه أشياء كتبها اليهود، حتى أخرج سفر موسى عليه السلام، قال فنظر إليه مرتين، فقال المستقر: الرحم، قال ثم قرأ (ونقر في الأرحام ما نشاء)، وقرأ (ولكم في الأرض مستقر ومتاع) قال: مستقره فوق الأرض: ومستقره في الرحم، ومستقره تحت الأرض، حتى يصير إلى الجنة، او إلى النار. (26).
-وعنه أيضا قال: أرسلني ابن عباس الى رجل من أهل الكتاب أسأله عن هذه الآيات "جنة عرضها السماوات والارض " فأخرج أسفار موسى، فجعل ينظر قال: سبع سماوات وسبع أرضين تلفق كما تلفق الثياب بعضها الى بعض، هذا عرضها، وأما طولها فلا يقدر قدره إلا الله. (27).
*بل كثيرا ما جمعتهم مجالس العلم، ليحصل النقاش العلمي المبني على المساءلة والتناصح مثل:
ما روي عن عكرمة قال: " كنا جلوسا عند ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما فمر طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خير خير فقال ابن عباس: لا خير ولا شر، قال كعب لابن عباس: ما تقول في الطيرة؟ قال: وما عسيت أن أقول فيها؟ لا طير إلا طير الله ولا خير إلا خير الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال كعب: أن هذه الكلمات في كتاب الله، المنزل يعني التوراة." (28).
وكثيرا ما كانت ترد عن ابن عباس روايات في بدء الخليقة وقصص القرآن مما لا مرجع له فيها إلا أهل الكتاب كما روي عنه في تفسير قوله تعالى: " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك .. " (29).
وبالتأكيد لم يقتصر الأمر فقط على مثل هذه الأسئلة، بل تجاوزه الى قصص الأنبياء بدءا بقصة آدم عليه السلام، الى نوح فهود فسليمان وهلم جرا ...
وهي روايات مطعون في أسانيد بعضها، وما صح منها أدرج ضمن ما سمح به ابن عباس لنفسه، وفهمه من التوجيهات النبوية، وما كان غير ذلك فهو مدسوس عليه أو ضعيف من حيث السند أو المتن. إذ لا ننسى الاختلاقات التي مست تفسيره وما نسب إليه رضي الله عنه.
¥