تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- وما معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وهو ابن عشر سنين أو أقل (اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل)

- وما سر إدخال عمر لابن عباس معه في مجلس كبار الصحابة وسؤاله له عن سورة النصر، وقد استنبط منها مالم يستنبطه كبار الصحابة.

- وما معنا قول ابن عمر: تعلمنا الإيمان قبل القرآن. وابن عمر من صغار الصحابة

أما السؤال الأول فإني أطلب الحكمة في جعل المفصل آخر القرآن بالنسبة لتدبر الأطفال. أما أنه سهل على الأطفال فنعم، ويحسن أن يبدؤوا به، وابن عباس ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي، وكان ابن عشر سنين، وقد قرأ المفصل. لكن هل ثمة ما يؤكد أن الحكمة من كون المفصل في آخر القرآن لأجل أن يتدبره الأطفال؟ على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان غالب قراءته في الصلوات من المفصل، وهو خطاب في هذا المقام للكبار لا للأطفال.

وأما دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما خاصة، فهل يدل على تقرير التدبر للأطفال. أو أنه دعاء لحصول الشيء لابن عباس مستقبلاً. ولو كان أمرًا له لكان نصًا. وإن كان فيه إشارة لابن عباس إلى العناية بالقرآن وتأويله. على أن ابن عباس فيما ذكر سابقًا لم يشر إلا إلى قراءة المفصل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من دون الإشارة إلى تفسير أو تدبر، إلا إذا كان المراد من القراءة الحفظ والفهم، ولعل ما يدل على ذلك قوله رضي الله عنه: سلوني عن سورة النساء؛ فإني قرأت وأنا صغير. رواه الحاكم وصححه.

(وهنا سؤال: هل دلالة "القراءة" في الأحاديث النبوية تعني مجرد التلاوة، أو مع الفهم والعلم؟)

وأما إدخال عمر رضي الله عنه لابن عباس في مجلس كبار الصحابة فلتميزه بعقله وحسن فهمه، وكأنه من الكبار، بل هو من الكبار، لأن هذه المجالس تريد كبار الألباب لا كبار الأعمار، ولعله كان بالغًا، ثم هذه ودعاء النبي فضيلة لابن عباس خاصة، لا لكل الأطفال.

وأما قول ابن عمر رضي الله عنهما، فقد يحتج به من يرى تأخير التدبر؛ لأنه أفاد تأخر تعلم القرآن عن تعلم الإيمان.

ولعلي هنا أتساءل:

لقد جاء الشرع بتعويد الأطفال على بعض العبادات، كأمر أبناء سبع بالصلاة، وكان الصحابة رضي الله عنهم يصومون أبناءهم.

فهل ورد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم تعويد للأطفال على تدبر القرآن؟

رجعت رجوعًا سريعًا إلى بعض كتب فضائل القرآن وإلى بعض الكتب التي تحدثت عن تربية الأطفال فلم أجد شيئًا، لكن وجدت ابن كثير رحمه الله عقد فصلاً في (تعليم الصبيان للقرآن) قال فيه:

((حدَّثَنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: إن الذي تدعونه المفَصَّل هو المحكم.

قال: وقال ابن عباس: توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم.

حدَّثَنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا هشيم، أنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال، جمعت المحكم في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت له: وما المحكم؟ قال: المفصَّل.

انفرد بإخراجه البخاري، وفيه دلالة على جواز تعلُّم الصبيان القرآن؛ لأن ابن عباس أخبر عن سنه حين موت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كان جَمَعَ المفصَّل، وهو من الحجرات، كما تَقَدَّمَ ذلك، وعمره إذ ذاك عشر سنين.

وقد روى البخاري أنه قال: توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا مختون، وكانوا لا يختنون حتى يحتلم، فيحتمل أنه احتلم لعشر سنين؛ جمعًا بين هذه الرواية وتلك، ويحتمل أنه تجوز في هذه الرواية بذكر العشر وترك ما زاد عليها من الكسر، والله أعلم.

وعلى كل تقدير، ففيه دلالة على جواز تعليم القرآن في الصِّبا، وهو ظاهر، بل قد يكون مستحبًّا أو واجبًا؛ لأن الصبي إذا تعلَّم القرآن بلَغَ وهو يعرف ما يصلي به، وحفظُه في الصِّغَرِ أولى من حفظِه كبيرًا، وأشد علوقًا بخاطره، وأرسخ وأثبت، كما هو المعهود في حال الناس.

وقد استحبَّ بعض السلف أن يترك الصبي في ابتداء عمره قليلاً للعب، ثم توفر همته على القراءة؛ لئلا يلزم أولاً بالقراءة فيملها ويعدل عنها إلى اللعب.

وكره بعضهم تعليمه القرآن وهو لا يعقل ما يُقَال له، ولكن يُترك حتى إذا عَقِلَ ومَيَّزَ عُلِّمَ قليلاً قليلاً، بحسب همته ونهمته وحفظه وجودة ذهنه.

واستحبَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يلقن خمس آيات خمس آيات. رويناه عنه بسند جيد)).

ولعل بعض الإخوة يفيدنا في هذا.

هذه بعض النظرات والخواطر والتساؤلات حول هذه القضية، وفيها سعة في النظر والرأي، ولعل المسألة من باب (الحسن والأحسن).

وأحب أن يطرح أخي الشيخ محمد وغيره رأيه حول ما ذكرته في آخر المشاركة الأولى مما يتعلق بكتب تفسير الألفاظ والآيات للناشئة.

وأشكر الإخوة الذي شاركوا في الموضوع.

وفقني الله وإياكم لكل خير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير