تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- عزل التخصصات بعضها عن بعض (وكذلك المباحث العلمية)، من جهة، وعزلها عن الواقع الحقيقي، من جهة أخرى، وتكريس التخصص المفرط والمبالغ فيه،

- الصعوبة المتنامية في التواصل بين المتخصصين في مختلف الميادين، نتيجة اعتماد هذه المقاربة،

- النزوع نحو رؤية كل جزء على حدة ثم تعميم نتائج هذه النظرة على الأجزاء الأخرى، مما يؤدي إلى الشك في نجاعتها في مواجهة حل المشكلات المعقدة.

وحين ننظر إلى أثر اعتماد هذه المقاربة في التفاسير الترتيبية للقرآن، مثلا، نجد أن من مزاياها أنها تسمح بمعرفة أغراض الآية من خلال سياق النزول الزماني والمكاني، مع ضمها إلى ما قبلها وما بعدها من الآيات، من خلال القرائن الداخلية والخارجية، وهو ما يسمح بالنظر الدقيق إلى كل آية في موضعها الذي نزلت من أجله. غير أنها لا تسمح بإدراك المناسبات والروابط وشبكات العلاقات بين الكلمات في إطار الآية، ولا بين الآيات في إطار السورة، ولا بين السور في إطار القرآن كله، خصوصا عند النظر إلى المواضيع ذات الأبعاد المتعددة، والمتناثرة في مواطن مختلفة من السور.

أما المقاربة الثانية فيمكن تسميتها بالمقاربة النظامية ( Systemic Approach) (3)، وقد نشأت كمنهجية مخالفة للمقاربة التحليلية، معتمَدة على أساس أن النظام المركّب من مجموعة وحدات له من الخصائص العامة التي قد تكون أولى بالدراسة من خصائص كل وحدة من وحداته منفردةً عن باقي وحدات النظام.

وترى هذه المقاربة أنه لا يمكن فهم النظم المعقدة فهما دقيقا من خلال الاكتفاء بدراسة وحداته مستقلة بعضها عن بعض كل على حدة. وتؤكد، من ناحية أخرى، على أن معرفة النظام لا بد أن تمر عبر دراسة علاقاته وتفاعلاته مع المحيط والبيئة التي يتواجد فيها، نظرا لتأثر النظم والبيئات المختلفة بعضها ببعض، بحيث أن أي ظاهرة تظل غير قابلة للفهم ما لم يتم توسيع دائرة الملاحظة لتشمل كل الظروف والسياقات والعوامل المحيطة بها.

ولذلك تعتبر المقاربة النظامية متناقضة مع المقاربة التحليلية. إذ خلافا لهذه الأخيرة التي تدعو إلى التجزيء والتفكيك وعزل الوحدات والعوامل بعضها عن بعض، تقوم المقاربة النظامية على دراسة النظام الواحد بأبعاده المختلفة، من زوايا متعددة، اعتمادا على عدد من الهياكل والنظم المعرفية، ومن خلال فهم العلاقات والمؤثرات الداخلية والخارجية. وهذا ما يجعل المقاربة النظامية قادرة على تجاوز النقائص والأخطاء التي تنجر عن المقاربة التحليلية.

ويرى لومواني ( Le Moigne) (4) أن المقاربة النظامية تسعى لتحقيق أهداف أربعة:

- وضع نظرية تفسر الكون على أساس أنه نظام،

- محاولة وضع نماذج لفهم التعقيد،

- البحث عن المفاهيم والقوانين والنماذج المتشابهة والتي يمكن تطبيقها على مجموعات ونظم مختلفة،

- وضع تصورات للأدوات والوسائل المستخدمة.

وقد مرّ تعريف مفهوم (النظام) بتطورات مختلفة لخّصها لابوانت ( Lapointe) (5) كما يلي:

- النظام: "مجموعة منظمة"

- النظام: "مجموعة مركّبة من وحدات متفاعلة فيما بينها"

- النظام: "مجموعة مركّبة من وحدات في تفاعل دائم بينها، لخدمة هدف مشترك"

- النظام: "كيان -حين يكون موجودا في سياق معين، وتكون له غايات محددة- يقوم بممارسة نشاط معين فيجد تركيبته الداخلية تتطور عبر الزمن، بدون أن يفقده ذلك هويته الأصلية والمستقلة"

- النظام: "وحدة بنائية تتسم بهيكلية هرمية، وخصائص بارزة، وشبكات وعلاقات. وهذه الوحدة لها خصائص هامة على مستوى النظام الكلي، غير أن هذه الخصائص قد لا يكون لها أي قيمة أو أثر على مستوى أجزاء الوحدة البنائية حين تكون مستقلة بعضها عن بعض".

وكما هو ملاحظ، فإن جميع هذه التعريفات تتضمن مفاهيم الترتيب، والتسلسل الهرمي، القابلة للمشاهدة. كما تتحدث عن الخصائص التالية: الظهور، التفاعل، الترابط، الغائية، التطور، الوحدة البنائية.

وتقوم المقاربة النظامية على جانبين مترابطين هما (6): المعرفة والفعل. وتنقسم المعرفة بدورها إلى حقل فلسفي (عام) وحقل نظري (خاص)، في حين ينقسم الفعل إلى حقل منهجي وحقل تطبيقي عملي. وتعمل الحقول الأربعة بكل مترابط ومتداخل بدون تجزيء.

3 - الملاحظة الثالثة:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير