وقال أبو حيان في البحر المحيط: "هو تمثيل لتليين القلوب بعد قسوتها، ولتأثير ذكر الله فيها, كما يؤثر الغيث في الأرض فتعود بعد إجدابها مخصبة، كذلك تعود القلوب النافرة مقبلة، يظهر فيها أثر الطاعات والخشوع."
قال سيد: "ولكن .. لا يأس من قلب خمد وجمد وقسا وتبلد, فإنه يمكن أن تدب فيه الحياة، وأن يشرق فيه النور، وأن يخشع لذكر الله .. فالله يحيي الأرض بعد موتها، فتنبض بالحياة، وتزخر بالنبت والزهر، وتمنح الأكل والثمار. . كذلك القلوب حين يشاء الله ..
وفي هذا القرآن ما يحيي القلوب كما تحيا الأرض؛ وما يمدها بالغذاء والري والدفء .. "
10/ الطريق إلى النار:
لما ذكر الله تعالى مآل المجرمين: (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفًا) أي لم يجدوا عن النار معدلاً إلى غيرها لأن الملائكة تسوقهم إليها , ناسب أن يذكّر بما كان سيصرفهم عن النار لو أخذوا به فقال: (ولقد صرَّفنا في هذا القرآن من كل مثل) أي: من كل طريق موصل إلى العلوم النافعة، والسعادة الأبدية، وكل طريق يعصم من الشر والهلاك، ففي القرآن أمثال الحلال والحرام، وجزاء الأعمال، والترغيب والترهيب، والأخبار الصادقة النافعة للقلوب، اعتقادا، وطمأنينة، ونورا, وهذا كله يصرف المرء عن نار جهنم.
قال سيد:" ولقد كان لهم عنها مصرف، لو أنهم صرفوا قلوبهم من قبل للقرآن، ولم يجادلوا في الحق الذي جاء به، وقد ضرب الله لهم فيه الأمثال ونوعها لتشمل جيمع الأحوال".
كانت هذه مجرد أمثلة , وتطبيقات عملية , تخلق بيننا وبين القران روحاً تفاعلية , فتلامس معانيه وإرشاداته حياتَنا العملية ,وتسمو بمشاعرنا وأحاسيسنا فلا تنتهي عند الحدود المادية الأرضية .. بل تتجاوزها لتعبر بنا إلى معانٍ أخروية سامية , وهناك مئات الآيات التي نستطيع التفاعل معها بهذه الروح ,, والنظر إليها بهذه النفسية الإيمانية الراقية السامية وذلك مثل آيات النعيم التي تَذكُر تفاصيل نعيم أهل الجنة وتصف حالهم ,, إذ أنَّ كل مافي هذه الدنيا من لذة ونعيم وسعادة وأنس له ما يشابهه من نعيم أهل الجنة , فإذا حصل للمرء شيئ من هذا في الدنيا تذكر نعيم أهل الجنة ,فيجدَّ في العمل للوصول إليها ,,, وقُل مثلَ ذلك في مشاهد البؤس والشقاء والنار,, إذ تُذكِّر المرء بنار الآخرة فيستعيذ بالله من حرِّها ويسعى في الفرار منها ...
وأخيرا, فهذه دعوة للاهتمام بمقاصد القران العليا , وتوسيع الأفق والمدارك في التعامل مع القران , والاهتمام بمعالي الأمور ومنتهاها, والنظر إلى الدنيا من خلال القران وتوجيهاته , وربط الدنيا بالأخرة ...
قال الرازي:" والمقصود الأعظم من هذا القرآن العظيم تقرير أصول أربعة: الإلهيَّات، والنبوات، والمعاد، وإثبات القضاء والقدر".
كتبه /عمر النشيواتي
ـ[مركز تفسير]ــــــــ[19 Aug 2010, 07:52 م]ـ
تم ترشيح هذا الموضوع ضمن مسابقة الملتقى، يمكنك أخي العضو التصويت عليه أعلاه
ـ[عبد الله الطواله]ــــــــ[20 Aug 2010, 03:34 م]ـ
ثم مالمقصود من ذلك كله؟ إنهم جمعيًا في مرتبة واحدة وان اختلفت ألوانهم وأشكالهم لا يفضل أحدهم على أحد كما لا تختلف الجبال وإن اختلفت ألوانها .. إنما الذي يميزهم ويُفرِّق بينهم ويرفع بعضهم عن بعض هو خشية الله تعالى والعلم به " (إنما يخشى الله من عباده العلماء).
فتأمل كيف ينتقل بك القران وأنت غارق في التأمل في هذه اللوحة الفنية الجمالية من هذا الكون الفسيح , ويستغل هذا الشعور الرقيق , والحس المرهف .. ليغرس في نفسك قدر الخشية والخوف من الله تعالى ,, ولتعلم أن مدار التمايز والتفاضل عليها.
وأخيرا, فهذه دعوة للاهتمام بمقاصد القران العليا , وتوسيع الأفق والمدارك في التعامل مع القران , والاهتمام بمعالي الأمور ومنتهاها, والنظر إلى الدنيا من خلال القران وتوجيهاته , وربط الدنيا بالأخرة ...
فتح الله عليك يا شيخ عمر النشيواتي وأجزل لك المثوبة ..
موضوع رائع .. نسأل الله لنا ولكم حسن الإنتفاع ..