تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال السعدي:"لما ذكر تعالى الطريق الحسي، وأن الله قد جعل للعباد ما يقطعونه به من الإبل وغيرها ذكر الطريق المعنوي الموصل إليه فقال: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} أي: الصراط المستقيم، الذي هو أقرب الطرق وأخصرها موصل إلى الله.

6/ الجبال و البشر:

لمَّا ذكر الله الجبال واختلافِ ألوانها وأشكالها (ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود .. ) ناسب أن يذكِّر بشبيه ذلك في البشر وغيرهم (ومن الناس والدواب والأنعام مختلفٌ ألوانه كذلك) وهي لفتة كونية عجيبة من اللفتات الدالة على مصدر هذا الكتاب ... لفتة تطوف في الأرض كلها تتبع فيها الألوان والأصباغ في كل عوالمها, في الثمرات , وفي الجبال , وفي الناس , وفي الدواب والأنعام , لفتة تجمع في كلمات قلائل بين الأحياء وغير الأحياء في هذه الأرض جميعاً؛ وتدع القلب مأخوذاً بذلك المعرض الإلهي الجميل الرائع الكبير الذي يشمل الأرض جميعاً ...

ثم مالمقصود من ذلك كله؟ إنهم جمعيًا في مرتبة واحدة وان اختلفت ألوانهم وأشكالهم لا يفضل أحدهم على أحد كما لا تختلف الجبال وإن اختلفت ألوانها .. إنما الذي يميزهم ويُفرِّق بينهم ويرفع بعضهم عن بعض هو خشية الله تعالى والعلم به " (إنما يخشى الله من عباده العلماء).

فتأمل كيف ينتقل بك القران وأنت غارق في التأمل في هذه اللوحة الفنية الجمالية من هذا الكون الفسيح , ويستغل هذا الشعور الرقيق , والحس المرهف .. ليغرس في نفسك قدر الخشية والخوف من الله تعالى ,, ولتعلم أن مدار التمايز والتفاضل عليها.

7/ أصحاب الجنة:

حينما ذكر الله قصة أصحاب الجنة الذين منعوا الزكاة وحرموا المساكين والفقراء حقوقهم وكيف عذبهم بحرقها عليها في سورة القلم (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة .. ) .. إلى أن قال: (كذلك العذاب .. ) أي الدنيوي لمن أتى بأسباب العذاب بأن يسلبه الله الشيء الذي طغى به وبغى، وآثر الحياة الدنيا، وأن يزيله عنه، أحوج ما يكون إليه , وبعدها ناسب أن يذكِّر عندها بعذاب الآخرة, {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ} أي من عذاب الدنيا.

قال الثعالبي:" (كذلك العذاب) كَفِعْلِنَا بأهْلِ الجنةِ نَفْعَلُ بِمَنْ تعدَّى حدودَنا , {وَلَعَذَابُ الأخرة أَكْبَرُ} أي: أعْظَم مما أصَابَهُمْ، إنْ لَمْ يَتُوبُوا في الدنيا".

وقال السعدي: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ} أي: الدنيوي لمن أتى بأسباب العذاب أن يسلب الله العبد الشيء الذي طغى به وبغى، وآثر الحياة الدنيا، وأن يزيله عنه، أحوج ما يكون إليه {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ} من عذاب الدنيا {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} فإن من علم ذلك، أوجب له الانزجار عن كل سبب يوجب العذاب ويحل العقاب".

فانظر كيف عبَر القران بهذا المشهد الحسي والحدث الحيّ والقصة الواقعية إلى مشهد معنوي روحي وهو عذاب الآخرة , ليربط الدنيا بالآخرة , وليتذكر كل من نال شيئاً من عذاب الدنيا, أن عذاب الأخرة أكبر ..

8/ نزول الغيث:

عندما ذكر الله في سورة النحل تنزيل القرآن من السماء وأنه هدىً ورحمة وحياةً للقلوب فقال: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) (النحل64) أتبعه بذكر نزول الغيث من السماء رحمة للعباد , وحياة للأرض والنبات والحيوان (والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها .. )

قال ابن كثير:"وكما جعل تعالى القرآن حياة للقلوب الميتة بكفرها، كذلك يحيي الله الأرض بعد موتها بما ينزله عليها من السماء من ماء "

9/إحياء الأرض الميتة:

وقريبا من المثال السابق فحينما حثَّ الله على التوبة والرجوع إليه والخشوع لِذكره فقال (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) وحذَّر من قسوة القلب وموته (ولا يكونوا كالذين أوتو الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم) رغَّب النفوس في التوبة وأعلمنا بأن القلوب الميتة ستحيا كما أن الله يحي الأرض بعد موتها فقال: (اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها).

قال الألوسي: "فهو تمثيل ذُكر استطراداً لاحياء القلوب القاسية بالذكر والتلاوة بإحياء الأرض الميتة بالغيث للترغيب في الخشوع والتحذير عن القساوة".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير