ولست مبالغا إذا قلت أن من جاء بعد علماء مدرسة مكة قد استفاد منهم في التفسير وفي الدراسات القرآنية رضي من رضي وقبل، وسخط من سخط ورفض، وأنهم أثروا فيمن بعدهم وفي مسيرة العلم تأثيرا كبيرا، لا يستطاع التغافل عنه أو تجاهله، بل كانوا حلقة وصل أساسية بين الأجيال، بين النبع الأول للتفسير الى المنابع اللاحقة، حيث التدوين والاستقرار المعرفي ورسوخ أركانه، وازدهاره وتعاظمه.
فإذا كان الشافعي قد صرح بقول فصيح وواضح بأن الناس عيال على مجاهد في التفسير، فإن ابن جرير قد روى لنا أيضا أن ابن ابي مليكة رأى مجاهدا سأل عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، قال ابن عباس رضي الله عنه: " اكتب حتى سأله عن التفسير كله ". [5] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn5) وروى لنا أيضا العلماء أن ابن عباس رضي الله عنه قال لعكرمة: " انطلق فأفت الناس فأنا لك عون " [6] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn6) واجتمع عليه أهل مكة فقال لهم ابن عباس رضي الله عنه: " يا أهل مكة تجتمعون علي وعندكم عطاء ". [7] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn7) ورووا لنا قوله في تلميذه سعيد بن جبير حينما سأله أهل الكوفة: " أتسألوني وفيكم ابن أم الدهماء ". [8] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn8)
وهكذا يظهر لكل متتبع لأبناء المدرسة أنهم تمثلوا علم شيخهم، الذي تمثل علم أقرانه ومن عاصرهم، بل علم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهكذا انتقل العلم من النبع الصافي الى القلوب الزكية المخلصة، وأضافوا إليه مما أفاء الله عليهم من فهم وبصيرة.
ولقد قيض الله لفحول المدرسة من يحمل علمهم، من نقلة ثقات أئمة مأمونين، أمثال أبناء المدرسة جميعهم، إضافة الى آخرين لم يقلوا إخلاصا وعلما وأمانة عن إخوانهم.
ولإعطاء صورة عن الأثر المكي في حياة التفسير ومسيرته، أقدم بيانا عن كل طائفة من المستفيدين منه على حدة، ليكون الحديث أوضح وأكثر تحديدا.
أ-أثر مدرسة مكة في علماء التفسير:
بالرجوع إلى أمهات التفسير الأولى التي كان لأصحابها السبق في هذا المضمار، والتي اعتمدوا فيها على منهج النقل الأثري والتفسير الاخباري، يتضح لكل ذي عينين، أو ألقى النظر وهو شهيد أثر المدرسة فيها.
ولعل أبرز التفاسير التي يتجلى فيها هذا العمل؛ تفسير الطبري , وتفسير ابن ابي حاتم، وتفسير عبد الرزاق الصنعاني، وتفسير سفيان الثوري وهلم جرا.
-فتفسير سفيان الثوري مثلا، أشار محققه إشارة دالة ومعبرة عن حقيقة التأثير حيث قال فيه: " أكثر روايته منقطعة، رواها مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير .. " [9] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn9)
- وتفسير الطبري الذي يمثل المرحلة الوسيطة والنقطة الهامة بين التفسير المأثور والزائد على المأثور، هو من أهم الكتب الأثرية التي أغنت عن المحاولات التفسيرية التي لم تحفظ، حتى قيل فيه: " لو سافر رجل الى الصين حتى يحصل كتاب محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيرا ". [10] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn10)
أقول: هذا التفسير القيم العظيم، كان أبناء المدرسة من أهم موارده، حيث أكثر ابن جرير روايته عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وعطاء وطاوس دون ذكر الأجزاء التفسيرية التي دخلت تفسير الطبري عن طريق تفاسير أخرى هي لحفدة المدرسة مثل: تفسير ابن جريج، والثوري، ومعمر بن راشد، وشبل، وورقاء بن عمر وغيرهم ...
والقول نفسه يقال بالنسبة للتفاسير اللاحقة كتفسير ابن كثير وتفسير السيوطي الدر المنثور، الذي يبين بصورة جلية وواضحة وصريحة أثر المكيين في كل المؤلفات والمؤلفين اللاحقين.
وبكل اختصار فلا تكاد تخلو صفحة واحدة من كتب التفسير الموجودة في المكتبات العالمية من رجوع الى المفسرين المكيين، بل يتكرر ذلك أحيانا في الصفحة الواحدة أكثر من مرة.
وهذا جدول مبني على دراسة شخصية وفهرسة علمية، أبين من خلاله مدى استفادة علماء التفسير من أعلام " المدرسة " وقد رتبت هذا الجدول ترتيبا تاريخيا.
اسم الكتاب
عدد النصوص المسندة لابن عباس
عدد النصوص المسندة لسعيد
عدد النصوص المسندة ل مجاهد
¥