2 - أنه رغم ذلك البحث الواسع، فإن النتيجة لم تكن مرضية، ومعظم المعاني التي توصلت إليها إما جاءت بالخيال اللغوي – لا الظاهرة اللغوية - أو بأسلوب الدفاع الديني، الذي يضطر إلى اتخاذ موقف الرفض، بأسلوب حماسي عاطفي، دون إفهام فضلا عن الإقناع. أما مع الألفاظ اليمنية المبحوثة هنا، فالأمر مختلف، فقد أخذت نفسي – ما استطعت - بأمرين:
1 - عدم اللجوء إلى الخطاب الديني البتة؛ فهذا – في رأيي – أسلوب غير علمي؛ فما جدوى إنكارك أن كلمة ما فارسية، أو آرامية، أو حميرية - ثم أنت لا تفقه شيئا فيها - لا لشيء إلا لأنك – بزعمك – تنزه كتاب الله عنها؟
2 - تحري الدقة العلمية في التحليل اللغوي، وقد أضطر لشيء من التفصيل ليتواصل مع البحث غير اليمنيين، بل يعرف كل لغوي أن اللغة مستويات، ومن الحقائق المقررة هنا: أن لهجات البلد الواحد تختلف؛ إلى حد أنه ربما لا يتفاهم أبناء محافظة مع أبناء محافظ أخرى؛ ففي اليمن مثلا ألفاظ وتعبيرات شمالية لا يعرفها أبناء الجنوب، والعكس صحيح، أما إذا بلغت مهرة والشحر من حدود عمان، فحتما ستحتاج إلى مترجم.
ونأتي الآن إلى الألفاظ اليمنية، وهذا نموذج منها:
* ث ب ر، وفيه لفظان:
الأول: "ثبور" في قوله تعالى {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} الانشقاق11، وقوله {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} الفرقان: 13 - 14. وهو هنا مصدر.
القراءات: ليس فيها قراءات أخرى لهذا اللفظ، سوى أن ثمة قراءة بفتح ثاء (ثبورا) وهي قراءة عمر بن محمد الواقدي [1] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn1).
التفسير: أورد القدامى للثبور عدة تفسيرات، منها:
1 - الهلاك [2] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn2). 2- الويل [3] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn3). 3- الفساد [4] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn4). 4- الخسران [5] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn5). 6- الانصراف عن طاعة الله [6] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn6).
الثاني: "مثبور" في قوله تعالى {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُوراً} الإسراء:102، وهو هنا اسم مفعول.
القراءات: ليس لهذا اللفظ قراءة أخرى.
التفسير: أورد القدامى لمثبور عدة تفسيرات، منها:
1 - مغلوب [7] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn7). وهذا قد يبدو مناسبا، لكن ثمة ما هو أقرب وأنسب.
ممنوع من الخير، محبوس عن الخيرات [8] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn8)، تقول العرب " ما ثبرك عن ذا، أي: ما منعك منه، وصرفك عنه" [9] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn9)، " يقال: وا ثبوراه، أي: وا ويلاه" [10] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn10). وهذا قد يكون بمعنى "مشؤوما، تجر الشؤم والبلاء والعذاب على قومك". وإذن فالثبور، هو المصير السيئ المشؤوم.
2 - ملعون مطرود، ويستدل أصحاب هذا الرأي – والذي قبله - بقول عبدالله بن الزِّبَعرَى:
إذ أُجاري [11] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn11) الشيطانَ في سِنَةِ النو ... مِ ومَنْ مالَ ميلَهُ مثبورُ [12] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn12)
وهذا البيت هو من أربعة أبيات قالها معتذرا عن هجاء المسلمين قبل إسلامه، ويتضح فيها اقتباسه من القرآن.
3 - مبتلى [13] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn13). وهذا بعيد، ولا يناسب السياق؛ ففيه شفقة، تتعارض مع دعوة موسى عليه السلام {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} يونس: 88
¥