تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال السعدي: أمر تعالى، نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم، أن يقول لمن أشرك باللّه ويسأله عن حجة شركه: {مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} فإنهم لا بد أن يقروا أنه اللّه، ولئن لم يقروا فـ {قُلِ اللَّهُ} فإنك لا تجد من يدفع هذا القول، فإذا تبين أن اللّه وحده الذي يرزقكم من السماوات والأرض، وينزل لكم المطر، وينبت لكم النبات، ويفجر لكم الأنهار، ويطلع لكم من ثمار الأشجار، وجعل لكم الحيوانات جميعها، لنفعكم ورزقكم، فلم تعبدون معه من لا يرزقكم شيئا، ولا يفيدكم نفعا؟.

ثم قال: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي: إحدى الطائفتين منا ومنكم، على الهدى، مستعلية عليه، أو في ضلال مبين، منغمرة فيه، وهذا الكلام يقوله من تبين له الحق، واتضح له الصواب، وجزم بالحق الذي هو عليه، وبطلان ما عليه خصمه.

ونقل الطبري عن عكرمة وزياد في قوله: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) قال: إنا لعلى هدى، وإنكم لفي ضلال مبين.

واختلف أهل العربية في وجه دخول "أو" في هذا الموضع؛ فقال بعض نحويي البصرة: ليس ذلك لأنه شك ولكن هذا في كلام العرب على أنه هو المهتدي، قال: وقد يقول الرجل لعبده: أحدنا ضارب صاحبه, ولا يكون فيه إشكال على السامع أن المولى هو الضارب.

وقال آخر منهم: معنى ذلك: إنا لعلى هدى، وإنكم إياكم لفي ضلال مبين، لأن العرب تضع "أو" في موضع واو الموالاة.

وأنت تقول في الكلام للرجل يكذبك: والله إن أحدنا لكاذب، وأنت تعنيه، وكذبته تكذيبًا غير مكشوف، وهو في القرآن وكلام العرب كثير، أن يوجه الكلام إلى أحسن مذاهبه إذا عرف.

وقال ابن كثير: هذا من باب اللف والنشر، أي: واحد من الفريقين مبطل، والآخر محق، لا سبيل إلى أن تكونوا أنتم ونحن على الهدى أو على الضلال، بل واحد منا مصيب، ونحن قد أقمنا البرهان على التوحيد، فدل على بطلان ما أنتم عليه من الشرك بالله؛ ولهذا قال: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.

وقال البغوي: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ليس هذا على طريق الشك ولكن على جهة الإنصاف في الحجاج، والمعنى: ما نحن وأنتم على أمر واحد بل أحد الفريقين مهتد والآخر ضال، فالنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه على الهدى، ومن خالفه في ضلال، فكذبهم من غير أن يصرح بالتكذيب.

وقال بعضهم: "أو" بمعنى الواو، والألف فيه صلة، كأنه قال: وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين، يعني: نحن على الهدى وأنتم في الضلال.

وقال الألوسي: أي وإن أحد الفريقين منا معشر الموحدين المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية العابدية وحده عز وجل ومنكم فرقة المشركين به العاجزين في أنفسهم عن دفع أدنى ضر وجلب أحقر نفع وفيهم النازل إلى أسفل المراتب الإمكانية المتصفون بأحد الأمرين من الاستقرار على الهدى والانغماس في الضلال، وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من ماول أو مناف قال لمن خوطب به: قد انصفك صاحبك، وفي درجه بعد تقدمه ما قدم من التقرير البليغ دلالة ظاهرة على من هو من الفريقين على هدى ومن هو في ضلال ولكن التعريض أبلغ من التصريح وأوصل بالمجادل إلى الغرض وأهجم به على الغلبة مع قلة شغب الخصم وفل شوكته بالهوينا.

وقال الرازي: هذا إرشاد من الله لرسوله إلى المناظرات الجارية في العلوم وغيرها وذلك لأن أحد المتناظرين إذا قال للآخر هذا الذي تقوله خطأ وأنت فيه مخطىء يغضبه وعند الغضب لا يبقى سداد الفكر وعند اختلاله لا مطمع في الفهم فيفوت الغرض، وأما إذا قال له بأن أحدنا لا يشك في أنه مخطىء والتمادي في الباطل قبيح والرجوع إلى الحق أحسن الأخلاق فنجتهد ونبصر أينا على الخطأ ليحترز فإنه يجتهد ذلك الخصم في النظر ويترك التعصب وذلك لا يوجب نقصاً في المنزلة لأنه أوهم بأنه في قوله شاك ويدل عليه قول الله تعالى لنبيه: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ} مع أنه لا يشك في أنه هو الهادي وهو المهتدي وهم الضالون والمضلون.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير