تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال صاحب الظلال: هذه غاية النصفة والاعتدال والأدب في الجدال, أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمشركين: إن أحدنا لا بد أن يكون على هدى، والآخر لا بد أن يكون على ضلال, ثم يدع تحديد المهتدي منهما والضال , ليثير التدبر والتفكر في هدوء لا تغشى عليه العزة بالإثم، والرغبة في الجدال والمحال! فإنما هو هاد ومعلم، يبتغي هداهم وإرشادهم لا إذلالهم وإفحامهم، لمجرد الإذلال والإفحام! والجدل على هذا النحو المهذب الموحي أقرب إلى لمس قلوب المستكبرين المعاندين المتطاولين بالجاه والمقام، المستكبرين على الإذعان والاستسلام، وأجدر بأن يثير التدبر الهادئ والاقتناع العميق , وهو نموذج من أدب الجدل ينبغي تدبره من الدعاة. .انتهى.

ثم إنه على نحو هذه الأية جاءت أيات عدة:منها قوله تعالى: "قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ " الأنعام (135)

قال الطبري: يقول جل ثناؤه، لنبيه: قل لهم: اعملوا ما أنتم عاملون، فإني عامل ما أنا عامله مما أمرني به ربي "فسوف تعلمون"، يقول: فسوف تعلمون عند نزول نقمة الله بكم، أيُّنا كان المحقّ في عمله، والمصيب سبيلَ الرشاد، أنا أم أنتم.

وقال ابن كثير: وقوله تعالى ذكره لنبيه: قل لقومك:"يا قوم اعملوا على مكانتكم"، أمرٌ منه له بوعيدهم وتهدّدهم، لا إطلاقٌ لهم في عمل ما أرادُوا من معاصي الله ,و هذا تهديد شديد، ووعيد أكيد، أي: استمروا على طريقكم وناحيتكم إن كنتم تظنون أنكم على هدى، فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي، كما قال تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} هود: 121، 122

وقال الزجاج فان قيل: ظاهر هذه الآية أمرهم بالاقامة على ما هم عليه، وذلك لا يجوز. فالجواب: أن معنى هذا الأمر المبالغة في الوعيد؛ فكأنه قال: أقيموا على ما أنتم عليه، إن رضيتم بالعذاب،.

وقال السعدي: {يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} أي: على حالتكم التي أنتم عليها، ورضيتموها لأنفسكم. {إِنِّي عَامِلٌ} على أمر الله، ومتبع لمراضي الله. {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} أنا أو أنتم، وهذا من الإنصاف بموضع عظيم، حيث بيَّن الأعمال وعامليها، وجعل الجزاء مقرونا بنظر البصير، ضاربا فيه صفحا عن التصريح الذي يغني عنه التلويح, وقد علم أن العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة للمتقين، وأن المؤمنين لهم عقبى الدار، وأن كل معرض عما جاءت به الرسل، عاقبته سوء وشر، ولهذا قال: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}.

رزقنا الله فهم كتابه والعمل بما فيه , وجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته , ونعوذبه سبحانه أن نقول في كتابه بغير علم , والحمد لله رب العالمين.

كتبه / عمر النشيواتي

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير