تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن من فضائل هذه الأمة أن أنزل الله عليهم كتابا ووعدهم بحفظه، يقول الله تعالى ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ? [الحجر: 9] يقول ابن كثير: قرر تعالى أنه هو الذي أنزل عليه الذكر وهو القرآن وهو الحافظ له من التغيير والتبديل. ([1] ( http://tafsir.net/vb/showthread.php?p=116797#_edn1)) اهـ

وذلك بخلاف الأمم السابقين فقد كانوا مكلَّفين بحفظ كتبهم ولم يتكفل الله بحفظه، فيقول تعالى ?إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ? [المائدة: 44]

يقول ابن عاشور في تفسيره: وقد حكى عياض في المدارك: أن القاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد المالكي البصري سُئل عن السرّ في تطرّق التغيير للكتب السالفة وسلامة القرآن من طرق التغيير له. فأجاب بأن الله أوكل للأحبار حفظ كتبهم فقال تعالى ? بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ ? [سورة المائدة: 44] وتولى حفظ القرآن بذاته تعالى فقال: ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ? [الحجر: 9] قال أبو الحسن بن المُنْتَاب ذكرتُ هذا الكلام للمَحَامِلي فقال لي: لا أحسنَ من هذا الكلام ... وفي هذا مع التنويه بشأن القرآن إغاظة للمشركين بأن أمر هذا الدين سيتمّ، وينتشر القرآن ويبقى على مرّ الأزمان. وهذا من التحدّي ليكون هذا الكلام كالدليل على أن القرآن منزّل من عند الله آيةً على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو كان من قول البشر أو لم يكن آية لتطرّقت إليه الزيادة والنقصان ولاشتمل على الاختلاف، قال تعالى ?أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا? [سورة النساء: 82] ([2] ( http://tafsir.net/vb/showthread.php?p=116797#_edn2))

فكلمة " الحفظ " بالنسبة لغير القرآن على صيغة الاستفعال التي تفيد الطلب والتكليف أي أن الله تعالى كلّفهم بالحفظ والمحافظة. والله امتحنهم بالحفاظ عليها فنسوا حظا مما ذكروا به، والذي لم ينسوه كتموا بعضه، والذي لم يكتموه يَلْوُون ألسنتَهم به ويحرّفونه عن موضعه، ثم جاءوا بأشياء من عندهم وقالوا هذه من عند الله ليشتروا بها ثمنا قليلا. ومن هنا فان الله سبحانه وتعالى قد تكفّل بحفظ كتابه فقال ?وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ?.

فمن خلال هذا التحليل اللغوي الصرفي، يعنى زيادة السين والتاء، نعرف أن قضية حفظ التوراة -وهي الآن جزء من الكتاب المقدس للمسيحيين- موكولة إلى أحبارهم وعلمائهم، حيث كأن الله تعالى قد تخلى بينهم وبين حفظها، على أننا وجدنا حفظ القرآن ورد بدون زيادة السين والتاء، بل أسند الحفظ إلى نفسه تعالى، فكأنه من الأمور التي يتصرف به الله تعالى وحده.

ومن مظاهر حفظ الله تعالى للقرآن أن يعدّ الله تعالى القرّاء الحافظين منذ أن نزل إلى يومنا هذا، وقد بلغ عددهم أضعاف التواتر، وكلما حاول أحد أن يغيّر شيئا أو يبدّله عرف الناس ذلك، ومن مظاهره أيضا أن يتناول المسلمون هذا القرآن بفهم معانيه وتفسير ألفاظه وردّ كل موهم اختلافه أو تناقضه، ولقد كرّر الله قوله أربع مرات في سورة القمر ?وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ? [القمر: 17، 22، 32، 40]

وإذا نظرنا إلى قوله تعالى ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ? [الحجر: 9] وإلى الآيات قبلها تبين لنا أن حفظ الله للقرآن هو حفظه للقرآن الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم والذي يستخدم اللغة العربية، وليس للوحي أو لمعنى الوحي حالة كونه عند الله تعالى حتى أوحاه إلى محمد صلى الله عليه وسلم وقبل أن يتلوه بلسان عربي على ما قيل. فقد حكى الله تعالى في الآيات قبلها عن الذين أنكروا نزول القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول الله تعالى ?وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ? فأجاب الله تعالى عليهم ?مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير