تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" فاستغاثهُ الذي من شيعتهِ على الذي من عدوّه ": وهذه العبارة الكريمة توحي أيضاً بأنّ الطرقات خالية، فبمجرد ما لمح الإسرائيلي موسى، عليه السلام، استغاث به.

في مثل هذا الموقف لا يحتاج الأمر إلى تفكير ولا بد من السرعة في التدخل لصالح الإسرائيلي، لأنّ موسى، عليه السلام، يعرف الواقع تماماً ويدرك أنّ الفراعنة يضطهدون الإسرائيليين.

" فوكزهُ موسى فقضى عليه": فهو إذن قتل شبه عمد، لأنّه قصد الضرب ولم يقصد القتل. وكان الدافع شريفاً، حيث توجب الملابسات على من كان في مثل شهامته، عليه السلام، أن يسارع إلى سرعة الرد على اعتداء من اعتادوا استضعاف الناس.

" قال هذا من عمل الشيطانِ إنهُ عدوٌ مُضلٌّ مبينٌ ": كل شيء كان مفاجئاً وسريعاً، ولكن بعد انتهاء الحدث يكون التفكر بالنتائج التي ترتبت على سرعة الرد قبل التحقق من عدالة موقف الإسرائيلي. فما يدرينا فلعله هو المعتدي ابتداءً. ثم إنّ النتيجة أكبر من الحدث وموجباته. ولا يبعد أن يكون موسى، عليه السلام، قد عرف حقيقة الطرفين بُعيد الحادثة، وأدرك أنّ الإسرائيلي هو من أهل الانحراف والإجرام. ولفظة (قال) لا تشير إلى فورية ولا إلى تراخٍ في الزمن. والمهم أنه، عليه السلام، أدرك أنّ ما كان منه هو من تسويل الشيطان الذي يحرص على إضلال الإنسان.

" قال ربِّ إني ظلمتُ نفسي فاغفر لي فغفرَ له، إنهُ هو الغفورُ الرحيم ":فموسى، عليه السلام – وهو لم يبعث رسولاً بعد - يُقرُّ بذنبه ويتوب منه، ويسأل الله تعالى أن يغفر له. ومن هنا لا داعي أن يستفيض الناس في بحث هذه المسألة، ليقولوا بعصمة أو عدم عصمة الأنبياء قبل البعثة. فالقتل كان شبه عمد، دوافعه كريمة ونتائجه مفاجئة غير مقصودة وضحّيته رجل من قوم كافرين وظالمين. ثم يقبل الله تعالى من عبده المنيب فيغفر له.

" قالَ ربِّ بما أنعمتَ عليَّ فلن أكونَ ظهيراً للمجرمينَ ": السياق يلزمنا أن نقول إنّ النعمة هنا هي نعمة المغفرة. وهذا يعني أنّ موسى، عليه السلام، قد علم أنّ الله تعالى قد غفر له. ويكون ذلك إما بالوحي أو بنزول الملك ليخبره، أو غير ذلك من صور الإخبار. وهذا مألوف؛ فقد أوحى الله لأمّه وهو رضيع أن تضعه في التابوت فتقذفه في الماء. وأوحى سبحانه قبل ذلك بقرون للفتى الصغير يوسف وهو في البئر، انظر الآية 15 من سورة يوسف:" ... وأوحينا إليه لتُنبّئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون". وأوحى سبحانه وتعالى بعد ذلك بقرون لمريم، عليها السلام، انظر الآية 45 من سورة آل عمران:" إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله يُبشّرك ... "، بل وأرسل سبحانه إليها الملك على صورة رجل لينفخ فيها من روحه ... الخ.

" قالَ ربِّ بما أنعمتَ عليَّ فلن أكونَ ظهيراً للمجرمينَ ": قد توحي هذه العبارة الكريمة بأنّ موسى، عليه السلام، قد أدرك فيما بعد أنّ الإسرائيلي كان من أهل الإجرام، وأنّ نصرته لم تكن عادلة. وهذا يشير إلى أنه، عليه السلام، كان وقّافاً عند الحق ولا ينصر الباطل، ولو كان ذا قُربى.

" فأصبحَ في المدينةِ خائفاً يترقّبُ فإذا الذي استنصرهُ بالأمسِ يستصرِخُهُ ": واضح من تكرار الحدث أنّ الرجل الإسرائيلي من أصحاب المشاكل. وهو الآن لا يكتفي بالاستغاثه بل يملأ الدنيا صراخاً، وقد يوحي ذلك ببعد نسبي، ولكنه لما رأى موسى، عليه السلام، بادر إلى الصراخ طالباً النجدة. والعجيب أنه في كل مرة يستغيث، فليته إذ كان غير قادر اختصر فأراح الناس. وهذا النوع من الأشخاص له أمثال في كل مجتمع. وأمثال هؤلاء لا يحظون في الغالب بثقة الناس، ولا ينجدهم في الملمات أحد، وهم غالباً ما يُوَرّطون أهل الشهامة والنجدة.

" قال له موسى إنكَ لغويٌّ مبينٌ ": فغواية الإسرائيلي إذن واضحة جليّة، ولا يلدغ المؤمن من جحرٍ واحدٍ مرتين، فكيف بموسى، عليه السلام؟! ولك بعد ذلك أن تعجب أشد العجب ممن يجعل موسى، عليه السلام، ناصراً لمثل هذا الغوي. وأين قوله:" فلن أكون ظهيراً للمجرمين"؟!!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير