تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المعنى الأول: الصفة، وهذا المعنى كثير في الاستعمال، وله شواهد كثيرة، منها قوله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غيرآسن .... } الآية فوصفها وسمَّى ذلك الوصف مَثَلاً.

وروى أبو منصور الأزهري عن محمدبن سلام الجمحي قال: (أخبرني عمر بن أبي خليفة، قال: سمعت مقاتلا صاحب التفسير يسألأبا عمرو بن العلاء عن قول الله تعالى: {مَثَلُ الجنّة التي وُعِد المُتّقون} مامثلها؟

قال: {فيها أنهارٌ من ماء غير آسن}.

قال: فسألت يونس عنها، فقال: (مَثَلُها: صِفَتُها)).

قال محمد بن سلام: (ومثل ذلك قوله تعالى: {ذَلِك مَثَلُهم في التَّوْرَاة ومَثَلُهم في الإنْجِيل} أي صِفتهم).

المعنى الثاني: الآية، ومنه قوله تعالى: {وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل} أي آية لهم، كما قال تعالى: {ولنجعله آية للناس}، وقال: {وجعلنا ابن مريم وأمه آية}، قال ابن جرير: ({وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل} يقول: وجعلناه آية لبني إسرائيل). وروى مثله عن قتادة.

المعنى الثالث: العبرة والعظة، ومنه قوله تعالى: {فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين}

قال ابن جرير: (وقوله: {وَمَثَلا لِلآخِرِينَ} يقول: وعبرة وعظة يتعظ بهم مَنْ بعدهم من الأمم، فينتهوا عن الكفر بالله). وروى نحوه عن مجاهد وقتادة والسدي.

ومنه على أحد التفسيرين قوله تعالى: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل}

المعنى الرابع: القول السائر، وفيه يقال: (فأرسلها مثلاً) أي جعل كلمته قولاً سائراً يتمثل الناس به في نظائره.

المعنى الخامس: المثل المضروب، ومنه قوله تعالى: {ضرب مثل فاستمعوا له}

وهذه المعاني الخمسة بينها تناسب واشتراك في قدر من المعنى، ولذلك تنوعت عبارات المفسرين في تفسير ما ورد فيه هذا اللفظ بما يدل على تقارب بين هذه المعاني.

قال ابن فارس: (والمَثَل: المِثْل أيضاً، كشَبَه وشِبْه. والمثَلُ المضروبُ مأخوذٌ من هذا، لأنَّه يُذكَر مورَّىً به عن مِثلِه في المعنى).

وكلام السلف في تفسير المثل الأعلى غير مخالف لما ذكره علماء اللغة من معنى المثل، فإن الله تعالى هو الإله المتفرد بصفات الكمال المستحق لأن يعبد وحده لا شريك له، فكونه الإله الحق يتضمن اتصافه بصفات الكمال واستحقاقه لأعظم الحقوق.

قال ابن كثير (ت:774هـ): ({لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ} أي: النقص إنما ينسب إليهم، {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى} أي: الكمال المطلق من كل وجه، وهو منسوب إليه، {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}).

وقال في تفسير آية الروم: (وقد أنشد بعض المُفَسرين عند ذكر هذه الآية لبعض أهل المعارف:

إذَا سَكَن الغَديرُ على صَفَاء = وَجُنبَ أنْ يُحَرّكَهُ النَّسيمُ

ترى فيه السَّمَاء بَلا امْترَاء = كَذَاكَ الشَّمْسُ تَبْدو وَالنّجُومُ

كَذاكَ قُلُوبُ أرْبَاب التَّجَلِّي = يُرَى في صَفْوها اللهُ العَظيمُ).

وقال ابن رجب في فتح الباري: (وحديث حارثة هو من هذا المعنى؛ فإنه قال: كأني أنظرإلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وإلى أهل النار يتعاوون فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عرفت فالزم، عَبْدٌ نوَّر الله الإيمان في قلبه)) وهو حديث مرسل، وقد روي مسندا بإسناد ضعيف.

وكذلك قول ابنعمر لعروة لما خطب إليه ابنته في الطواف فلم يرد عليه ثم لقيه فاعتذر إليه وقال: كنا في الطواف تتخايل الله بين أعيننا.

ومنه الأثر الذي ذكره الفضيل بن عياض: يقول الله: ما أنا مطلع على أحبائي إذا جهنم الليل جعلت أبصارهم في قلوبهم،ومثلت نفسي بين أعينهم فخاطبوني على المشاهدة وكلموني على حضوري.

وبهذا فسرالمثل الأعلى المذكور في قوله تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض}، ومثله قوله تعالى: {الله نور السموات والأرض مثل نورهكَ مِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَاكَوْكَبٌ دُرِّيٌّ توقَدُ () مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَّشَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُنَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُالأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم}، قال ابن كعب وغيره منالسلف: مثل نوره في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير