تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"في قصَّة شعيب مع قومه مسأَلةٌ من أَهمِّ مسائل الاجتماع في العالم المدنيِّ، وهي التَّنازع بين رجال المال ورجال الإِصلاح في حرِّيَّة الكسب المطلقة، وتقييد الكسب بالحلال ومراعاة الفضيلة فيه، فقوم شعيبٍ كانوا يستبيحون تنمِية الثَّروة بجمِيع الطُّرقِ الممكنة حتَّى التَّطفيف في المكيال والميزان، فإِذا كالوا أَو وزنوا للنَّاس نقصوا وأَخسروا، وإِذا اكتالوا عليهم لأَنفسهم استوفوا وأكثروا، وكانوا يبخسون النَّاس أشياءهم في كلِّ أَنواعها، وكان شعيبٌ - عليه السَّلام - ينهاهم عن ذلك ويوصِيهم بالقسط فيه، واجتناب أكل أموال النَّاس بالباطل والقناعة بالحلال، وكانت حجَتهم حرِّيَّة الكسب مقرونةً بحرِّيَّة الِاعتقاد، كما حكاه اللهُ عنهم بقوله: - قالوا يا شعيب أَصلاتك تأْمرك أَن نترك ما يعبد آباؤُنا أَو أَن نفعل في أَموالنا ما نشاء - 87، ... وما زال التَّنازع الْماليُّ أَعقد مشاكل الاجتماع، وزعم بعض علماء الاقتصاد أَنَّ الإِصلاح الماليَّ أَعظم أُسس الإِسلام، ولأَجله عادى كبراء قريْشٍ بعثة محمَّدٍ - عليه الصَّلاة والسَّلام – [3] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn3)

إذا اختلت الموازين فانتظر الويلات

إن التأمل فى قصة مدين يرشدنا إلى نقطة مهمّة، وهي أنهم استحقوا العذاب المستأصل لأنهم أصبحوا الخطر الأعظم على عمران الأرض، وتحديا خطيرا لمسيرة المدنية، لما ساد الفساد المالي عليهم أجمعين، وغدا هو العرف والقانون، فإن تلبس بعض أفراد المجتمع فى نقص المكيال والميزان أمر هين مادام ذلك جريمة فى نظر المجتمع، وسيئة فى قانون العرف، حيث إن المجتمع والقائمين عليه سوف يقومون بالضرب على أيدي هؤلاء المجرمين، كما نرى اليوم فى كل دول العالم، بغض النظر عن الدين والنظام، حيث توجد فى كل دولة القوانين الصريحة والإجراءات الحاسمة لمكافحة الغش التجاري.

أما إذا اختلت الموازين العامة وأصبح الغش هو العرف، والأمانة هي السذاجة والغباء، وأصبح موضوع السخرية والملام من أنكر ذلك، فهناك غضب الله والعقاب الشديد.

فينبغي أن تحذر البشرية من الويلات والأزمات فى كل ترخيص قانوني لأي تعامل مالي يؤدي بالبشرية إلى الضرر ويصدق عليه الفساد فى الأرض وما أكثر ذلك فى زماننا من البيوع القصيرة والمستقبليات والاتجار بالمخاطر وتجارة الديون إلى تعاملات لانهاية لها نالت ترخيصا قانونيا، ففتحت أبواب الفساد فى الأرض.

جرائم قوم ثمود المالية

لقد ذكر الفساد فى الأرض في قصة ثمود، ومع أن القرآن الكريم لم ينص على أنهم كانوا منغمسين فى الفساد المالي، إلا أن ابتلاءهم بالناقة يدل على شدة حرصهم على الدنيا، وإفراطهم فى حب المال، وقد ذهب المفسرون فى تفسيرقوله تعالى: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) [النمل] إلى أن هؤلاء الرهط كانوا قد قطعوا شوطا كبيرا فى مخادعة الناس فى أموالهم، فقد جاء فى تفسير ابن كثير:

قال عبد الرزاق: أنبأنا يحيى بن ربيعة الصنعاني، سمعت عطاء -هو ابن أبي رباح -يقول: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} قال: كانوا يقرضون الدراهم، يعني: أنهم كانوا يأخذون منها، وكأنهم كانوا يتعاملون بها عددًا، كما كان العرب يتعاملون.

وقال الإمام مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه قال: قَطْع الذهب والورق من الفساد في الأرض [4] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn4). ولاشك أن الذين يتجرأون على قرض الدراهم ويستسيغون خداع الناس لايقفون عند قرض الدراهم، إنما يتخذون كل وسيلة لتلبية رغباتهم، وكان ابن كثير موفقا عندما قال: والغرض أن هؤلاء الكفرة الفسقة، كان من صفاتهم الإفساد في الأرض بكل طريق يقدرون عليها، فمنها ما ذكره هؤلاء الأئمة منها ما لم يذكروه.

أكل السحت من الفساد فى الأرض

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير