وقد تحدث القرآن الكريم عن جرائم بني إسرائيل وقال: "وترى كثيرا منهم يسارعون فى الإثم والعدوان وأكلهم السحت ... (المائدة62) "إلى أن قال:" ويسعون فى الأرض فسادا والله لايحب المفسدين" (المائدة 64) فإن الإعطاء عن طيب القلب بر وإنفاق، بينما الأخذ من غير رضا سحت وعدوان، وبالأول تعمر الأرض وتتزين وبالأخير يظهر الفساد فى الأرض. ومن أدمن السحت والعدوان فلا وازع يردعه ولا حد يمنعه من المسارعة فيهما. وكان اليهود وأقرانهم مسارعين فى العدوان وأكل السحت، إلا أن وسائل التقنية الحديثة السريعة زادت من مسارعتهم هذه، وبالتالي كبرت فى حجم انتشارالفساد فى الأرض.
لاتمنعوا خلق الله من الأكل فى أرض الله
وفى موضع من قصة ثمود يذكر القرآن الكريم ناقة الله ويقول: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) [الأعراف]
ونظام الآيات يشير إلى أن الإساءة إلى الناقة ومنعها من الأكل فى أرض الله اعتبرها الله من الفساد فى الأرض.
وهنا وقفة للتأمل فإن الناقة كانت آية الله، وكذلك الإنسان آية من آيات الله، وقد منع الإساءة إليه إلا بحق، كما أن من حق الإنسان الأساسي أن يكون لديه مايسد به جوعه وتقوم عليه حياته، فإذا بلغ من قسوة بعض الفئات لطمعهم فى الازدياد من الثروات أن يدفعوا الآخرين بمخططاتهم إلى الفقر والفاقة والحرمان من أساسيات الحياة، فإن ذلك من الفساد فى الأرض، والواجب على كل من لايرضى تحول الأرض الجميلة إلى عالم البؤس والشقاء أن يكافح تلك المخططات والسياسات بكل جرأة وصمود.
السرقة والنهابة من الفساد فى الأرض
صلة الفساد فى الأرض بالجريمة المالية تظهر أيضا فى قصة يوسف عليه السلام، حيث إنه عندما وجهت تهمة السرقة إلى إخوته، قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) [يوسف]
فإذا كانت السرقة من الفساد فى الأرض فما بالك بقطع الطريق ونهب أموال الناس، ويتجلى ذلك فى الآية التي نزلت فى عقوبة المحاربين ومنهم النهبة وقطاع الطريق، حيث قال تعالى:
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة: 33]
وفى قصة ذي القرنين وصف القوم ياجوج وماجوج بالمفسدين فى الأرض حيث جاء: قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) [الكهف] فأعمال النهب التي كانوا يقومون بها بين حين وحين سميت فسادا فى الأرض.
إقامة السدود لحماية الثروات
وهناك نكتة لطيفة وهي أن القوم قد طلبوا من ذي القرنين إقامة السد بينهم وبين ياجوج وماجوج للتوقي من توغلهم ونهبهم أموالهم، ولاشك أن إقامة سد مثل هذا يتطلب جهودا جبارة وتكاليف مالية باهظة، ولكنهم احتملوا كل ذلك، لأن الخطوة مع صعوبتها كان لابد منها لأجل مستقبل آمن وحماية أكيدة للأنفس والممتلكات.
¥