وحاصله: أن المراد بالأحرف السبعة هى سبع لغات فى كلمة واحدة تختلف فيها الألفاظ مع اتفاق المعانى وتقاربها، مثل: هلم، واقبل، وتعال، إلى، وقصدى، ونحوى، وقربى. فإن هذه سبعة ألفاظ مختلفة، يعبر بها عن معنى واحد، هو طلب الإقبال، وليس معنى ذلك أن كل معنى فى القرآن عبر عنه بسبعة ألفاظ من سبع لغات، بل المراد أن منتهى ما يصل إليه عدد الألفاظ المعبرة عن معنى واحد هو سبعة.
وأصحاب هذا الرأى أيدوا كلامهم بأن التيسير المنصوص عليه فى الأحاديث متوفر فى هذا الرأى. ورد أصحاب هذا الرأى كذلك على الاعتراضات الموجهة إلى رأيهم ردوداً مقبولة.
ولا أستطيع أن أطيل أكثر من هذا فى هذه المسالة حتى لا نخرج عن موضوعنا المقصود بالبحث. () لكن ما أريد أن أقوله بعد هذا العرض: إنه بناءً على هذا الرأى الأول تكون القراءات التى رواها القراء بوجوه متعددة راجعة إلى الأحرف السبعة. وبناءً على الرأى الثانى تكون راجعة إلى حرف واحد وهو حرف قريش، الذى نسخت عليه المصاحف العثمانية.
النسبة بين الأحرف السبعة والقراءات السبع ()
نسبة القراءات السبع إلى الأحرف السبعة هى نسبة الخاص إلى العام، فالأحرف السبعة تشمل جميع القراءات بما فيها السبع.
ومن يعتقد أن القراءات السبع هى الأحرف السبعة، فقد أبان عن جهله، وكشف النقاب عن قلة إدراكه؛ لأن هؤلاء القراء السبعة وهم: ابن عامر، وابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، ونافع، وأبو الحسن الكسائى.
أقول: هؤلاء القراء السبعة لم يكونوا قد ولدوا حين ذكر النبى - صلى الله عليه وسلم - الأحرف السبعة، فهل معنى ذلك أن حديث النبى - صلى الله عليه وسلم - "أنزل القرآن على سبعة أحرف" كان عارياً من الفائدة، وبعيداً عن الواقع، إلى أن ظهر هؤلاء القراء، وماذا فهم الصحابة إذن من الحديث؟
ما ابعد هذا القول عن الواقع، بل ما أجهل قائليه!!
أقسام القراءات
وبيان ما يقبل منها ومالا يقبل
نقل السيوطى عن ابن الجرزى أن أنواع القراءات ستة:
الأول: المتواتر: وهو ما نقله جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب، عن مثلهم إلى منتهاه، حتى يبلغوا به النبى - صلى الله عليه وسلم -، ومثاله ما اتفقت الطرق على نقله عن السبعة - أو غيرهم - وهذا هو الغالب فى القراءات.
الثانى: المشهور: وهو ما صح سنده بأن رواه العدل الضابط عن مثله، وهكذا ووافق العربية ولو بوجه، ووافق رسم المصحف العثمانى، واشتهر عند القراء فلم يعدوه من الغلط ولا من الشذوذ، إلا أنه لم يبلغ درجة المتواتر. ومثاله ما اختلفت الطرق فى نقله عن السبعة، فرواه بعض الرواة عنهم دون بعض، وقد ذكر كثيراً من هذا النوع الدانى فى التيسير والشاطبى فى الشاطبية، وغيرهما. وهذان النوعان، هما اللذان يقرأ بهما، مع وجوب اعتقادهما ولا يجوز إنكار شئ منهما.
الثالث: ما صح سنده، وخالف الرسم أو العربية، أو لم يشتهر الاشتهار المذكور، وهذا النوع لا يقرأ به ولا يجب اعتقاده، ومثاله قراءة ((متكئين على رفارف خضر وعباقرى حسان)) وقراءة ((لقد جاءكم رسول من أنفَسِكم)) بفتح الفاء.
الرابع: الشاذ، وهو ما لم يصح سنده، قراءة ابن السَّميفع ((فاليوم ننحيك ببدنك)) بالحاء المهملة ((لتكون لمن خَلَفك آية)) بفتح اللام من كلمة ((خَلَفك)).
الخامس: الموضوع، وهو ما نسب إلى قائله من غير أصل، مثل القراءات التى جمعها محمد بن جعفر الخزاعى، ونسبها إلى أبى حنيفة.
السادس: ما يشبه المدرج من أنواع الحديث، وهو ما زيد فى القراءات على وجه التفسير، كقراءة سعد بن أبى وقاص ((وله أخ أو أخت من أم)) بزيادة لفظ ((من أم)).
قال ابن الجزرى: وربما كانوا يدخلون التفسير فى القراءات إيضاحاً وبياناً؛ لأنهم محققون لما تلقوه عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قرآناً، فهم آمنون من الالتباس، وربما كان بعضهم يكتبه معه أ. هـ ()
ومن خلال هذا النقل خلصنا إلى أن النوعين الأولين هما اللذان يقرأ بهما وأما غيرهما، فلا. والنوع الأول، وهو المتواتر مقطوع بقرآنيته بلا نزاع. وأما النوع الثانى وهو المشهور الذى اتفقت فيه الضوابط الثلاثة المذكورة، وهى صحة السند، وموافقة اللغة العربية ولو بوجه، وموافقة الرسم العثمانى ولو احتمالاً، أقول:
¥