هذا النوع لم يوافق عليه بعض العلماء، بل اشترطوا التواتر دون صحة السند - أى لم يكتفوا بصحة السند- جاء فى الإتقان تعليقاً على ذلك.
وهذا مما لا يخفى ما فيه، فإن التواتر إذا ثبت، لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من العربية والرسم، إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواتراً عن النبى - صلى الله عليه وسلم - وجب قبوله والقطع بكونه قرآناً سواء وافق الرسم أو لا. ا. هـ ()
ومن ثم قال بعض العلماء تعليقاً على هذا الرأى فى محاولة لتقريب وجهة النظر حول قبول هذه القراءة، أو عدم قبولها، قال: إن هذا القسم - يعنى الذى استجمع الأركان الثلاثة المذكورة - يتنوع إلى نوعين:
الأول: ضرب أو نوع، استفاض نقله وتلقته الأمة بالقبول، وهو يلحق بالمتواتر من حيث قبوله والعمل بمقتضاه؛ لأنه وإن كان من قبيل الآحاد إلا أنه احتفت به قرائن جعلته يفيد العلم لا الظن.
قال صاحب المناهل: إن ركن الصحة فى ضابط القرآن المشهور، لا يراد بالصحة فيه مطلق صحة، بل المراد صحة ممتازة، تصل بالقراءة إلى حد الاستفاضة والشهرة، وتلقى الأمة لها بالقبول حتى يكون هذا الركن بقرينة الركنين الآخرين فى قوة التواتر الذى لابد منه فى تحقق القرآنية. ()
والنوع الثانى: وهو ما لم تتلقه الأمة بالقبول ولم يستفض، وهذا فيه خلاف بين العلماء، من حيث قبوله، والقراءة به، أو عدم ذلك والأكثرون على قبوله. ()
أوجه الاختلاف بين القراءات الثابتة
سبق أن قررنا أن القراءات مرجعها النقل الثابت عن النبى -صلى الله عليه وسلم - ولذلك، لم يكن الاختلاف بينها على سبيل التضاد فى المعانى، بل القراءة إما مؤكدة لغيرها، أو موضحة، أو مضيفة إليها معنى جديداً، فتكون كل قراءة بالنسبة للأخرى، بمنزلة الآية مع الآية، وكما أن الاختلاف بين هذه القراءات لم يكن على سبيل التضاد فى المعانى، فإنه كذلك لم يكن على سبيل التباين فى الألفاظ، وقد حصر بعضهم أوجه الاختلاف بين القراءات فى الوجوه الآتية:
الأول: الاختلاف فى شكل آخر الكلمات، أو بنيتها، مما يجعلها جميعاً فى دائرة العربية الفصحى، بل أفصح هذه اللغة، المتسقة فى ألفاظها، وتآخى عباراتها، ورنة موسيقاها، والتواؤم بين ألفاظها ومعانيها.
الثاني: الاختلاف فى المد فى الحروف، من حيث الطول والقصر، وكون المد لازماً أو غير لازم، وكل ذلك مع التآخى فى النطق فى القراءة الواحدة، فكل قراءة متناسقة فى ألفاظها من حيث البنية للكلمة، ومن حيث طول المد أو قصره.
الثالث: الاختلاف من حيث الإمالة، أو عدمها فى الحروف، كالوقوف بالإمالة فى التاء المربوطة، أو عدم الإمالة فيها.
الرابع: الاختلاف من حيث النقط ومن حيث شكل البنية فى مثل قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)) () حيث قرئ متواتراً كذلك ((فتثبتوا)) ومع ذلك فالقراءتان متلاقتيان فى المعنى، فالأولى طالبت بالتبين المطلق، والأخرى بينت طريق التبين، وهو التثبت بتحرى الإثبات.
الخامس: زيادة بعض الحروف فى قراءة، ونقصها فى أخرى، مثل قراءة ابن عامر - وهو أحد القراء السبعة- ((قالوا اتخذ الله ولدا)) بدون واو قبل ((قالوا)) بينما قرأ غيره بالواو هكذا ((وقالوا اتخذ الله ولدا)) () ومثل ذلك قراءة ابن كثير - وهو أحد القراء السبعة كذلك - ((تجرى من تحتها الأنهار)) بزيادة ((من)) بينما قرأ غيره ((تجرى تحتها الأنهار)) ()
فإن قيل: ما الثابت من القراءتين فى المصحف العثمانى؟
قلت: إن المصاحف العثمانية - وعددها ستة أو سبعة - أثبت فيها كل ما يحتمله الرسم بطريقة واحدة ()، وأما ما لا يحتمله الرسم كالزيادة والنقصان فى حالتنا هذه، فإنه كان يثبت فى بعض المصاحف بقراءة، وفى بعضها بقراءة أخرى.
وقد قال القرطبى فى ذلك: وما وجد بين هؤلاء القراء السبعة من الاختلاف فى حروف يزيدها بعضهم، وينقصها بعضهم، فذلك لأن كلاً منهم اعتمد على ما بلغه فى مصحفه ورواه، إذ كان عثمان كتب تلك المواضع فى بعض النسخ، ولم يكتبها فى بعض، إشعاراً بأن كل ذلك صحيح، وأن القراءة بكل منها جائزة. ا. هـ ()
فوائد اختلاف القراءات
¥