تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونستطيع أن نضيف مطمئنين إلى هذه الأهمية التي صارت من بعد مبرراً لكل تقديم وتأخير، نضيف إليها الاهتمام ببناء الجملة من حيث الإيقاع الذي يحدثه التقديم والتأخير أيضاً، كما تفصّله دراستنا هذه.

ومن صوره في الفواصل تقديم المفعول على الفاعل مثل) ولقد جاء آلَ فرعون النذرُ ((القمر: 41) وذلك لأن فواصل السورة كلها رائية فيتحقق الإيقاع الجميل بذلك، ومنه تقديم المفعول للاختصاص مثل) وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسَهم يظلمون ((البقرة: 57) فقد حقق تقديم المفعول (أنفسَ) غرضين، الأول: إيقاعي وهو إجراء الفاصلة بالنون لتتوافق إيقاعياً مع غيرها، والثاني بلاغي وهو اختصاصهم بظلم أنفسهم، ومنه تقديم الضمير على ما يفسره في) فأوجس في نفسه خيفةً موسى ((طه:67) حيث قدّم الضمير العائد على موسى وأخّر الفاعل لرعاية الإيقاع في الفاصلة، وصور التقديم والتأخير في الفواصل كثيرة.

وقد أحصيت مواضع التقديم والتأخير في الفواصل فكانت في حوالي (990) موضعاً أي بنسبة 15,84% من مجموع الفواصل.

3 - الإحلال اللفظي: وهو إحلال لفظ محل آخر لدلالة بلاغية وحاجة السياق بعناصره المتنوعة، ويدرسه المحدثون تحت مصطلح “ REPLACEMENT” وصوره كثيرة في الفواصل نذكر منها إحلال صيغة فاعل محل مفعول مثل) خُلق من ماء دافق ((الطارق:6) أي مدفوق كما ذكر البلاغيون، ولكن صيغة فاعل تُوافق الفواصل المنتهية بحرف مسبوق بألف المد، ولا توافقها كلمة مدفوق لأن حرف المد فيها الواو وهو لا يتجانس مع الألف بل مع الياء، وهنا نكتة بلاغية في استعمال لفظ فاعل وهي أن ذلك الماء لا يخرج إلا دفقاً أي سريعاً، ولذا يناسبه لفظ فاعل لا مفعول، وعكس ذلك إحلال مفعول محل فاعل في) إنه كان وعده مأتياً ((مريم:60) أي آتياً كما ذكروا، ولكنه بذلك يحقق الإيقاع في الفواصل المنتهية بحرف مد مسبوق بياء مشددة، وفيه نكتة أخرى وهي جعل الوعد نفسه عَلَماً منصوباً يتوافد إليه الناس، وذلك أبلغ في الدلالة، ومن صور الإحلال كذلك لدواع سياقية وإيقاعية إحلال المفرد محل المثنى، والعكس، والجمع محل المثنى والعكس، والعاقل محل غير العاقل، والمؤنث محل المذكر والعكس .. وكل ذلك في بلاغة عالية وأسلوب بديع يمتع العقل والروح معاً لمن يتدبر ويتذوق.

4 - الاستغناء بلفظ عن آخر: وهناك ظاهرة مشابهة لها هي الاستغناء بلفظ عن آخر، لدواع سياقية، والقرآن يختار اللفظ بدقة متناهية، ومن ذلك أن القرآن يستعمل كثيراً صيغة غفور في الفواصل، ولكن يستغني عنها بغفّار لتتوافق الفواصل في) فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفّاراً ((نوح: 10) والفواصل هنا هي" إسراراً وغفاراً ومدراراً "أما غفور وغفّار في حق الله تعالى فهما صيغتا مبالغة ولا تفاضل بينهما دلالياً، ولكن حاجة السياق تحدد المختار منهما، ومثله) ومكروا مكراً كُبّاراً ((نوح:22) حيث أوثرت صيغة كبّار على كبير لإبداء المبالغة وتحقيق الإيقاع،ومثله استعمال عسِر مكان عسير المعتادة في) هذا يوم عسر ((القمر:8)

...

الهوامش

1 - المدخل إلى علم اللغة: 101، مكتبة الخانجي، القاهرة 1400هـ –1980م.

2 - دلائل الإعجاز: 185، مكتبة القاهرة،1400هـ-1980م.

3 - كتاب سيبويه:1/ 34، تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي 1408هـ-1988م.

****

القسم الثاني:

5 - الحذف في الفواصل: ومن مظاهر البلاغة في الفواصل كذلك حذف بعض الألفاظ في الفواصل، والحذف ظاهرة لغوية عامة، والعربية لغة إيجاز يكثر فيها الحذف، ولا غرو أن سماه ابن جني "شجاعة العربية" وقال:" قد حذفت العرب الجملة والمفرد والحرف والحركة، وليس شيء من ذلك إلا عن دليل عليه، وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب في معرفته " (1) ويُرجع في معرفة المحذوف إلى السياق بقرائنه المتنوعة، وفي بلاغة الحذف وجماله يقول عبد القاهر:" هو باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة …" (2)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير