تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأشهر صوره حذف المفعول به والأفعال يعلمون ويفعلون ويعملون .. يحذف معها المفعول كثيراً في الفاصلة لدواع سياقية كالتهديد في) كلا سوف تعلمون (ويُحذف للمواساة والتخفيف في) ما ودعك ربك وما قلى (أي وما قلاك فحذف الكاف للفاصلة ولعدم ذكر الضمير العائد على النبي r مع لفظ القلى الدال على البغض،وحقق مع ذلك إيقاعاً جميلاً بتوافق الفواصل، ومنه إطلاق النوع كما في) فأما من أعطى واتقى (أي أعطى أي خير واتقى الله واتقى المحرمات والشبهات… إلخ،ولو ذكر المفعول صريحاً لصرف الذهن إلى شيء واحد فقط.

6 - ائتلاف الفاصلة مع مضمون آيتها: اتفق نقاد الشعر والنثر على وجوب أن تكون القافية وآخر السجعة مطابقة لمضمون البيت أو الجملة المسجعة، فإذا جاءت مجتلبة للتوافق الصوتي دون حاجة السياق إليها عُد ذلك عيباً فيها، ذلك أن الفاصلة والسجعة تأتيان آخر الجملة، وآخر الجملة لا بد أن يحمل مضموناً مطابقاً لمضمون ما قبله، ليكون الكلام متناسقاً غير متنافر ولا شاذ، وقد جاءت الفواصل القرآنية متآلفة تمام التآلف مع آياتها، مؤدية دورها في إتمام المعنى وإيصاله على نحو بديع معجز،حتى لو تكلف متكلف أن يستبدل الفاصلة بغيرها ما استطاع وما وجد غيرها يؤدي المعنى والإيقاع معاً، فالفاصلة إذن إحدى صور الإعجاز في بيان القرآن الخالد، قال الزركشي: " اعلم أن من المواضع التي يتأكد فيها إيقاع المناسبة مقاطع الكلام وأواخره، وإيقاع الشيء فيها بما يشاكله، فلا بد أن تكون مناسبة للمعنى المذكور أولاً، وإلا خرج بعض الكلام عن بعض، وفواصل القرآن العظيم لا تخرج عن ذلك، لكن منه ما يظهر، ومنه ما يسخرج بالتأمل للبيب " (3)

والقرآن يختار الفاصلة بدقة عجيبة تدل على إعجاز بياني، فهي من جهة الدلالة تتوافق مع مضمون الآية، ومن جهة الصوت تتوافق مع الإيقاع العام للآيات السابقة واللاحقة، حتى إن السامع إذا كان ذا نظر ثاقب بفن الكلام وسمع الفاصلة أدرك موقعها من الكلام كما رووا أن أعرابياً سمع قارئاً يقرأ) فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم ((البقرة:209) فقرأ) أن الله غفور رحيم (ولم يكن يقرأ القرآن، فقال: إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا، الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل لأنه إغراء عليه " (5)

ومن ذلك:

-) أولم يهدِ لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون. أو لم يروا أنّا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منهم أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ((السجدة:26 - 27) ختمت الآية الأولى بالاستفهام الإنكاري "أفلا يسمعون " لمناسبة ذلك لمضمون الآية، ذلك أن أخبار القرون من قبلنا أخبار تتناقلها الألسن والأسماع على مدار التاريخ، وتسجيلها كتابة إنما هو لحفظها من الضياع، وختمت الآية الثانية بقوله "أفلا يبصرون " موافقة لمضمون الآية كذلك، إذ إنهم يرون الماء ينزل من السماء فيساق إلى الأرض الجرداء فيخرج الله به الزرع منها ثم إنهم يذهبون ليأكلوا هم وأنعامهم …أفلا يبصرون إذن نعمة الله تعالى تتحقق أمام أعينهم يوماً بيوم؟

7 - الإعراب والفاصلة: علاقة النحو بالبلاغة قديمة قدم العلمين معاً، فالبلاغة كما أسموها هي النحو العالي، إنها قمة الخبرة بالتراكيب ودلالاتها معاً، والإعراب بلا شك صلب النحو العربي ونشاط من أنشطته البارزة، ولسنا ننظر إلى الإعراب هنا بوصفه أثراً جالباً للحركة الإعرابية في أواخر الكلمات فحسب، بل بوصفه خبرة بالنظم والتراكيب واستعمالاتها، وهو ما أسماه عبد القاهر بالنظم وبنى عليه نظريته في البلاغة العربية.

والمعنى دائماً تبع للحالة الإعرابية، وقديماً قالوا: إن الإعراب فرع المعنى وربما أدى تغيير الحركة الإعرابية إلى فساد المعنى، كما في المسألة المشهورة عند النحاة في قوله تعالى) وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن اللهَ برئ من المشركين ورسولُه ((التوبة: 3) فمن قرأ بجر "رسول " متعمداً كفر لأنه يعطفه على المشركين، والصواب فيه الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، ولا شك أن الفاصلة القرآنية بإعرابها وأصواتها تأتي نتيجة التركيب اللغوي للجملة، وأنه لجعلها على صورة ما توافق الإيقاع لا بدّ من مراعاة دورها في التركيب، والقرآن الكريم يطوع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير