ب. ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه فهذا باطل مردود
ج. ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج).
2) لا يلزم من رواية الصحابي لأخبار بني إسرائيل تصديقه بها، ونسبة ما روى على أنه رأي له، ويقع بسبب ذلك خلط كبير في نسبة الآراء للصحابة والتابعين؛ فيتعين الرجوع إلى أصل الرواية والنظر فيها ليتبين المصدر الذي نقل عنه الصحابي، ومن تفطن لهذا سهل عليه التعامل مع كثير من النصوص الواردة عن المفسرين من الصحابة والتابعين مما فيه غرابة.
3) قصة قتل بني إسرائيل لأنفسهم توبة إلى الله تعالى من القسم الثاني من أقسام الروايات الإسرائيلية؛ لتضمنه مدحاً عاماً وثناءً مطلقاً على قوم نبي الله موسى لا يستحقه هؤلاء القوم الذين قال الله تعالى لنا {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا}، ثم هذه القصة الباطلة معارضة لصريح الآيات الأخرى المبينة عظم ما قام فيهم من المحادة لله ولرسوله نبينا موسى عليه الصلاة والسلام، {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا} {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق} قوم موصوفون بقتل الأنبياء أيقتلون أنفسهم توبة من عبادة العجل؟. إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في فضائح القوم فهل نخالف هذا الأصل الواضح البين الظاهر لأجل الروايات الإسرائيلية؟.
4) دعوى الإجماع في صحة هذه القصة دعوى باطلة، وإنا ذكرتُ الاتفاق على إيراد الرواية دون تمحيص لها، وهذا ليس من قبيل الإجماع في شيء، فهو مثل الاتفاق على إيراد الرواية الموضوعة أو الضعيفة هل ينقلها إلى قسم الصحيح؟، والإجماع إنما يكون على الرأي.
5) ما ذكر من مدح الله تعالى لبعض أهل الكتاب والثناء عليهم هذا حق، قال الله تعالى {منهم أمة مقتصدة وكثير منهم فاسقون} والذين عبدوا العجل جزء منهم وليس كلهم، ولم تتضمن الآيات الواردة في عبادتهم العجل شيئاً من المدح والثناء عليهم مما يدل على أنهم لم يفعلوا ما أمرهم به نبي الله موسى عليه السلام.
6) اذكِّر بكلمة الأخ جمال حسني الشرباتي: "ما المانع الشرعي من رفض القصة خاصة أنها لم ترد كقصة في القرآن" كلام رائع وجميل؛ لم ترد في القرآن، ولم ترد هذه القصة في السنة، فكيف نسلم بها ونجعلها جزءاً من تفسير الآية، وهي من أخبار بني إسرائيل.
7) قول الأخ محمد عبد الله بن جابر القحطاني: الحكم على القصة بالبطلان شاذ وغريب. أقول سبب الغرابة أننا نسينا مصدر هذه الرواية، لو كان المصدر الوحي المعصوم فنعم، أما أن يكون المصدر الروايات الإسرائيلية فلا شذوذ ولا غرابة حينئذ، وأذكر إخوتي الكرام بكتاب الشيخ الدكتور محمد أبو شهبة ’: الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير، حيث ذكر روايات باطلة تتابع على إيرادها كثير من المفسرين، وبين فسادها وبطلانها.
وصحة هذه القصة عن حبر الأمة إسناداً لا يلزم منه أن يكون متن الرواية رأياً له كما لا يخفى.
8) ما ذكره الأخ عطية الله من دعوى الإجماع فهذا باطل كما سبق.
وقوله: إن ظاهر القرآن وقوع القتل. هذا غير مسلم فالآية ليس فيها إثبات الاستجابة ولا نفيها وإنما يجزم بأحدهما بأدلة أخرى كما سبق بيانه.
وقوله: إن الله تعالى أمرهم. هذا غير مسلم فالذي أمرهم هنا نبي الله موسى عليه السلام، ولو سُلم أن الأمر من الله تعالى مباشرة فهذا ليس محل النزاع، فمحل النزاع هل استجابوا لما أُمروا به من قتل أنفسهم؟ الجواب: كلا لما عرف في القرآن من أحوالهم السيئة، وعنادهم المستمر.
9) ما ذكره الأخ: صهيل المجد أقول له: عفا الله عنك وغفر لك، العدل العدل في المدح والثناء.
وسأنشر هنا إن شاء الله تعالى دراسة متكاملة حول هذه القصة.
كما أتمنى أن يحظى الموضوع الجديد الذي سأطرحه قريباً إن شاء الله تعالى بمزيد من التواصل.
وفي الختام أشكر أخي الحبيب المشرف العام الذي سعدت كثيراً بالتعرف عليه على إتاحة هذه الفرصة للمشاركة، وأسأل الله تعالى أن يبارك للجميع في علمهم وعملهم وأعمارهم وأموالهم وأولادهم، وأن يحفظهم من كل سوء ومكروه، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ[عطية الله]ــــــــ[16 May 2005, 09:40 م]ـ
بارك الله فيك أيها الشيخ الفاضل الدكتور سليمان الحصين.
زانكم الأدبُ والحلم مع العلم .. اللهم بارك
نسأل الله أن ينفع بكم في منتدانا هذا في كل نادٍ، وأن يتقبل منا ومنكم ويعفو عن السيئات .. آمين
ننتظر بحوثكم وفوائدكم، ونتشرف بالبحث والمناقشة والمذاكرة مع أمثالكم، وفقكم الله.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[17 May 2005, 07:48 ص]ـ
أرحب بأخي العزيز الدكتور سليمان الحصين وفقه الله في ملتقى التفسير، وأشكره على طرحه العلمي الوقور الذي لا يستغرب من مثله، مع صدق الرغبة في الوصول للحق، والجرأة في البحث، وتقبل الآراء المخالفة قبولاً حسناً. أسأل الله أن يوفق الجميع للحق، وأن يشرح صدورنا، وينور بصائرنا بالعلم النافع، ونسعد كثيراً بمتابعة الحوارات العلمية المثمرة كهذا الحوار وغيره في الملتقى مع الدكتور سليمان وبقية الزملاء الفضلاء في الملتقى، والتي تصور أخلاق حملة القرآن أحسن تصوير والحمد لله.
¥