(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) أي: أُلزِموها قَدراً، وشَرْعاً، ولهذا قال: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) أي: وإنما حملهم على ذلك: الكبْر، والبَغْي، وَالْحسَد، فأعْقَبَهم ذلك: الذِّلة، والصَّغَار، والمسكنة، أبداً، متصلا بذلة الآخرة، ثم قال تعالى: (ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) أي: إنما حَمَلهم على الكفر بآيات الله، وقَتْل رُسُل الله، وقُيِّضوا لذلك: أنّهم كانوا يُكثرون العصيان لأوامر الله عز وجل، والغشيان لمعاصي الله، والاعتداء في شرع الله، فَعِياذًا بالله من ذلك، والله المستعان.
" تفسير ابن كثير " (2/ 104).
والذلة التي ضربها الله على اليهود تشمل الذلة القدرية التي قدَّرها الله عليهم، والذلة الشرعية، بمعنى أن الله تعالى أمرنا بإذلالهم، بضرب الجزية عليهم.
قال الطبري رحمه الله:
و " الذلة " هي الصغار الذي أمر الله جل ثناؤه عبادَه المؤمنين أن لا يعطوهم أماناً على القرار على ما هم عليه من كفرهم به، وبرسوله، إلا أن يبذلوا الجزية عليهم لهم.
" تفسير الطبري " (2/ 136).
وقال رحمه الله:
أخبرهم الله جل ثناؤه أنه يبدلهم بالعز ذلاًّ، وبالنعمة بؤساً، وبالرضا عنهم غضباً، جزاء منه لهم على كفرهم بآياته، وقتلهم أنبياءه ورسله، اعتداءً، وظلماً منهم بغير حق، وعصيانهم له، وخلافاً عليه.
" تفسير الطبري " (2/ 137).
وسبق قول ابن كثير رحمه الله: " أُلزِموها قَدراً، وشَرْعاً ".
فالله تعالى قدَّر عليهم الإذلال بسبب كفرهم، وفسادهم، وحكم به عليهم شرعاً بما ضربه عليهم من الجزية.
ومن هذا الباب قول تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) الأعراف/ 167.
قال ابن كثير رحمه الله:
قوله: (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ) أي: على اليهود، (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) أي: بسبب عصيانهم، ومخالفتهم أوامر الله، وشرعه، واحتيالهم على المحارم.
ويقال: إن موسى عليه السلام ضرب عليهم الخراج سبع سنين، وقيل: ثلاث عشرة سنة، وكان أول من ضرب الخراج، ثم كانوا في قهر الملوك، من اليونانيين، والكشدانيين، والكلدانيين، ثم صاروا في قهر النصارى، وإذلالهم إياهم، أخذهم منهم الجزية، والخراج، ثم جاء الإسلام، ومحمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فكانوا تحت صغاره، وذمته، يؤدون الخراج، والجزية.
" تفسير ابن كثير " (3/ 497).
وهذا هو واقع اليهود على مرِّ الأزمان؛ وحتى في هذا العصر الحديث لا تجد لهم محبة، ولا قبولاً في الأرض، وما مذابح الأوربيين لهم في " أوربا " ببعيد، وهم يؤمنون بذلك , ولذلك لا يعيشون إلا منعزلين، منطوين، أو أذلاء يستجدون النصرة من دول الكفر، والمنظمات الدولية.
قال ابن القيم رحمه الله في وصف اليهود -:
فالأمَّة الغضبية هم اليهود، أهل الكذب، والبهت، والغدر , والمكر، والحيل , قتلة الأنبياء , وأكلة السحت - وهو الربا، والرشوة - أخبث الأمم طوية , وأرداهم سجية , وأبعدهم من الرحمة , وأقربهم من النقمة , عادتهم البغضاء , وديدنهم العداوة والشحناء , بيت السِّحِر، والكذب، والحيل , لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء حرمة , ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة , ولا لمن وافقهم حق، ولا شفقة , ولا لمَن شاركهم عندهم عدل , ولا نَصَفَة , ولا لِِمَن خالطهم طمأنينة , ولا أمََنة , ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة، بل أخبثهم: أعقلهم، وأحذقهم: أغشهم , وسليم الناصية - وحاشاه أن يوجد بينهم: ليس بيهودي على الحقيقة , أضيق الخلْق صدوراً , وأظلمهم بيوتاً , وأنتنهم أفنيةً , وأوحشهم سجيَّةً , تحيتهم: لعنة , ولقاؤهم: طيرة، شعارهم: الغضب , ودثارهم: المقت.
" هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى " (ص 8).
¥