تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما الدكتور عدنان زرزور فقد ذهب بعيداً حين عدَّ تفسير الماوردي -أيا ماكان الأمر- من تفاسير المعتزلة، وأَنَّهُ وُضِعَ على أصولهم، ومنهجهم في التفسير ونقل منه نصاً رآهُ دليلا على ماذهب إليه. فقال في كتابه (الحاكم الجشمي ومنهجه في تفسير القرآن): (والناظر في هذا التفسير قد لايقف فيه سريعاً على أَثرٍ واضحٍ لمذهب المصنِّفِ الذي كان لا يُجاهرُ بالاعتزال فيما يبدو، ولكنه كان ينتصر فيه لمذهب المعتزلة على التحقيق، مرة بالإشارة العابرة، وأخرى بوضع القارئ أمام وجوه كثيرة في تفسير الآية الواحدة. يوردها موجزةً ملخصةً وليس من بينها ما يناقض مذهب المعتزلة بحالٍ.

قال في قوله تعالى: (هدى للمتقين) وفي المتقين ثلاثة تأويلات:

أحدهما: الذين اتقوا ما حرم الله عليهم، وأدوا ما افترض عليهم، وهذا قول الحسن البصري.

والثاني: أنهم الذين يحذرون من الله العقوبة، ويرجون رحمته. وهذا قول ابن عباس.

والثالث: أنهم الذين اتقوا الشرك وبرئوا من النفاق. وهذا فاسد لأنه قد يكون كذلك وهو فاسق، وإنما خص به المتقين وإن كان هدى لجميع الناس لانهم آمنوا به، وصدقوا بما فيه ...

ثم قال الدكتور عدنان: «وأيا ما كان الأمر فإن الماوردي وضع تفسيره على أصول المعتزلة ومنهجهم في التفسير، سواءً أخالفهم في بعض المسائل أم لا، وسواء أجاهر بالاعتزال أم لا، وإن كنا لا ندري ما هو حد الجهر عند ابن الصلاح». (7)

فهذا الحكم الجازم من الدكتور الفاضل عدنان زرزور لا يخلو من تسرع، فإن ابن الصلاح - وهو أول من اتهمه بالاعتزال - لم يصل إلى هذا الحد، ولم يجزم بمثل هذا الحكم. وقد عَقَّبَ الدكتور عبدالله الوهيبي على عبارةِ الدكتور عدنان زرزور تلك فقال: «وهذا حُكمٌ يعوزهُ التحقيق، فلو أَنَّ الباحث تصفح هذا التفسير وقرأ فيه لتبين له أنه تسرع في الحكم عليه، ورجع عن قوله: «فإن الماوردي وضع تفسيره على أصول المعتزلة، ومنهجهم في التفسير) لأن قوله هذا يعني أن الماوردي يقول بجميع أصول المعتزلة، وهذا قول لا دليل عليه، ومخالف لما في تفسير الماوردي. ولو صح ما قال، لم يقل ابن الصلاح: «هو ليس معتزلياً مطلقاً فإنه لا يوافقهم في جميع أصولهم، مثل خلق القرآن كما دل عليه تفسيره في قوله تعالى:?ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث? [الأنبياء 2] وغير ذلك. ويوافقهم في القدر ... ) فكان الأولى بالباحث أن يكون منصفاً في حكمه، متحققاً من قوله بقراءة قسم من هذا التفسير يكفي للحكم عليه، أما إصدار الحكم بناء على قراءة المقدمة وتفسير آيتين من سورة البقرة لا يكفي، وليس في هاتين الآيتين ما يدل على حكمه». وللطبري عبارة شبيهة بعبارة الماوردي وما عدَّه أحدٌ من المعتزلة. (8)

والسبكي الذي نقل قول ابن الصلاح في الماوردي عقَّب عليه فقال: «والصحيحُ أَنَّه ليس معتزلياً، ولكنه يقول بالقَدَرِ فقط». (9)

وابن حجر تعقب عبارة الذهبي عن الماوردي بأنه (صدوق في نفسه، لكنه معتزلي) (10)، فيقول: «ولا ينبغي أن يطلق عليه اسم الاعتزال) ثم قال: «والمسائل التي وافق عليها المعتزلة معروفة، منها مسألة وجوب الأحكام والعمل بها هل هي مستفادة من الشرع أو العقل؟ كان يذهب إلى أنها مستفادة من العقل، ومسائل أخرى توجد في تفسيره وغيره منها أنه قال في تفسير سورة الأعراف: لا يشاء عبادة الأوثان، وافق اجتهاده فيها مقالات المعتزلة». (11)

وهذا تلميذه الخطيب البغدادي يقول عنه: «كتبت عنه، وكان ثقةً». (12)

ويقول ابن الجوزي: «وكان ثقة صالحاً». (13)

فلو كان معتزلياً لنبهوا على ذلك، فالخطيب تلميذه فهو أقرب إليه، وأعرف به. والمعتزلة لا يَعدُّونَ المرءَ معتزلياً حتى يقول بأصولهم الخمسة كاملة وإلا فإنه لا يستحق هذا الاسم في نظرهم. كما تقدم نقل قول أبي الحسين الخياط في ذلك. وهناك أمثلة متعددة خالف فيها الماوردي المعتزلة تقدم بعضها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير