تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول ابن القيم: ووجه الاستدلال بالآية أن الله حكم بالخسران المطلق لمن ألهاه ماله وولده عن الصلاة، والخسران المطلق لا يحصل إلا للكفار، فإن المسلم ولو خسر بذنوبه ومعاصيه فآخر أمره إلى الربح، يوضحه أنه – سبحانه وتعالى – أكد خسران تارك الصلاة في هذه الآية بأنواع من التأكيد:

الأول: إتيانه به بلفظ الاسم الدال على ثبوت الخسران ولزومه دون الفعل الدال على التجدد والحدوث.

الثاني: تصدير الاسم بالألف واللام المؤدية لحصول كمال المسمى لهم، فإنك إذا قلت: زيد العالم الصالح، أفاد ذلك إثبات كمال ذلك له بخلاف قولك: عالم صالح.

الثالث: إتيانه – سبحانه – بالمبتدأ والخبر معرفتين، وذلك من علامات انحصار الخبر في المبتدأ كما في قوله تعالى «أولئك هم المفلحون» (البقرة: 5)، وقوله تعالى «والكافرون هم الظالمون» (البقرة: 254)، وقوله «أولئك هم المؤمنون حقاً» (الأنفال: 4)، ونظائره.

الرابع: إدخال ضمير الفعل بين المبتدأ والخبر وهو يفيد مع الفصل فائدتين أخريين: قوة الإسناد واختصاص المسند إليه بالمسند كقوله «وإن الله لهو الغني الحميد» (الحج: 64)، وقوله «والله هو السميع البصير» (المائدة: 76)، وقوله «إن الله هو الغفور الرحيم» (الشورى: 5).

يقول الدكتور وهبة الزحيلي: «لا تلهكم» لا تشغلكم عن الصلاة وسائر العبادات المذكرة بالمعبود، والمراد النهي عن اللهو بالأموال والأولاد، وتوجيه النهي إليها للمبالغة «ذكر الله» الصلوات الخمس والعبادات الأخرى. «ومن يفعل ذلك» وهو اللهو أو الشغل بها فاولئك هم الخاسرون في تجارتهم، لأنهم باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني.

8) قوله تعالى» إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكّروا بها خرّوا سجّداً وسبّحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون «(السجدة: 15).

قال الإمام الشوكاني: وأخرج البيهقي في الشعب عنه قال: نزلت هذه الآية في شأن الصلوات الخمس «إنما يؤمن بآياتنا لاذين إذا ذكروا بها خروا سجداً» أي أتوها «وسبحوا» أي صلوا بأمر ربهم «وهم لا يستكبرون» عن إتيان الصلاة في الجماعات.

يقول ابن جرير الطبري: يقول تعالى ذكره: ما يصدق بحجتنا وآيات كتابنا إلا القوم الذين إذا ذكروا بها ووعظوا «خروا» لله «سجداً» لوجوههم، تذللاً له، واستكانة لعظمته، وإقراراً له بالعبودية «وسبحوا بحمد ربهم» يقول: وسبحوا لله في سجودهم بحمده، فيبدؤونه مما يصفه أهل الكفر به، ويضيفون إليه من الصاحبة والأولاد والشركاء والأنداد «وهم لا يستكبرون» يقول، يفعلون ذلك وهم لا يستكبرون عن السجود له والتسبيح، لا يستنكفون عن التذلل له والإستكانة.

يقول سيد قطب: وهي صورة وضيئة للارواح المؤمنة، اللطيفة، الشفيفة الحساسة المرتجفة من خشية الله وتقواه، المتجهة إلى ربها بالطاعة المتطلعة إليه بالرجاء، في غير ما استقلاء ولا استكبار.

هذه الأرواح هي التي تؤمن بآيات الله، وتتلقاها بالحسن المتوخز، والقلب المستيقظ والضمير المستنير، هؤلاء الذين إذا ذكروا بآيات ربهم «خروا سجداً» تأثراً بما ذكروا به، وتعظيماً لله الذي ذكروا بآياته، وشعوراً بجلاله الذي يقابل بالسجود أول ما يقابل، تعبيراً عن الإحساس الذي لا يعبر عنه إلا تمريغ الجباه بالتراب «وسبحوا بحمد ربهم» مع حركة الجسد بالسدود «وهم لا يستكبرون» & فهي استجابة الطائع الخاشع المنيب الشاعر بجلال الله الكبير المتعال.

يقول الدكتور وهبة الزحيلي: أي: إنما يصدق بآيات القرآن وبالآيات الكونية وبالرسل المرسلين الذين إذا وعظوا بها واستمعوا لها بعد تلاوتها عليهم، سقطوا بأعضاءهم وجباههم ساجدين لله، وتذللاً وخضوعاً، وإقراراً بالعبودية، ونزهوه في سجودهم عما لا يليق بهم من أوضار الشرك كإتخاذ الصاحرة والاولاد والشريك، حامدين ربهمعلى آلائه ونعمه، أي جامعين بين التسبيح والتحميد بأن يقولوا: سبحان الله وبحمده وسبحان ربي الأعلى، وهم لأن قلوبهم عامرة بالإيمان لا يستكبرون عن طاعة ربهم، واتباع الآيات والإنقياد لها، كما يفعل الكفرة الجهلة الفجرة مستكبرين، فلهم عذاب أليم كما قال تعالى «جهنم داخرين» (غافر: 60).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير