(وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83))
ففي تلك الآيات المتتالية ثلاث أدلة عقلية ضخمة تثبت أن:
((البشرية سيعيشوا في هذه الحياة ثم يموتوا ثم يحييهم الله من جديد لتبدأ حياة أخرى أخيرة دائمة باقية يجازى فيها المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته))
فالدليل العقلي الأول:
أن الذي خلق أول مرة قادر على الإعادة
الدليل العقلي الثاني:
أن الذي خلق المعجزات فأخرج النار من النبات المملوء ماء قادر على أن يجمع ذرات البشر يوم القيامة
الدليل العقلي الثالث:
أن الذي خلق السماوات والأرض وهما أكبر حجما قادر على أن يخلق الأصغر منهما حجما كهؤلاء البشر
_ وطبعا كل ما تقدم على اعتبار أنكم معترفون بأن الله هو الخالق للكون، أما المنكرون فسنجيبهم بأدلة عقلية أخرى من القرآن تثبت لهم فساد تفكيرهم _
فمن خلال تلك الآيات السابقة نكرر عليكم أن تتذكروا جيدا بأن لا تأتونا بنفس المعاني التي جاء بها القرآن من إثبات اليوم الآخر وما فيه من الجزاء، فإن فعلتم ذلك فقد أتيتم بمثلية تكرارية، وسنلزمكم بها فتؤمنوا مثلنا باليوم الآخر وما فيه من الجزاء وهذا سيفض النزاع بيننا وبينكم فأنتم مؤمنون بما نحن مؤمنون به
ولكن لأنكم تنكرون أن القرآن كلام الله فنحن إنما نريد منكم مثلية التجديد فعليكم أن تأتوننا بمعانٍ جديدة تختلف في النتيجة عن معاني ونتائج القرآن ....
فعلى سبيل المثال اخترعوا كلاما تثبتون فيه عدم وجود يوم آخر
أو
عدم وجود الجزاء
ثم أثبتوا ذلك بالأدلة النظرية العقلية
وتذكروا جيدا أننا عندما نقول لكم هاتوا لنا مثل القرآن أو عشر سور مثل سور القرآن أو سورة مثل القرآن
فإياكم أن تنصرف أذهانكم إلى الإعجاز العلمي فكثير من هذا منشؤه استدلالات بشرية مسلمة قد تصيب وقد تخطيء
وحتى التي تصيب منها فكثير منها لا يعرفه إلا طبقة مثقفة في المجتمعات بينما القرآن يخاطب جميع طبقات المجتمع فينبغي أن يكون وجه الإعجاز الأكبر واضح لكل تلك الطبقات لا مختصا بطبقة دون طبقة
وأيضا تذكروا جيدا أننا عندما نقول لكم هاتوا لنا مثل القرآن أو عشر سور مثل سور القرآن أو سورة مثل القرآن
فإياكم أن تنصرف أذهانكم إلى فصاحة اللفظ وجزالته ورونقه ونحو ذلك
فهذا وإن كان فيه إعجاز _تجحدوه أحيانا_ ولكن لا يقدر على اكتشاف وجه التحدي اللغوي في القرآن إلا أهل التخصص في اللغة
بينما القرآن يخاطب كل أصناف البشر وليس أصحاب التخصصات فقط، فينبغي أن لا يكون الوجه الأكبر للإعجاز في اللغة
ومما يؤكد هذا الأمر أن كثيرا من الأنبياء وكثير من الناس أقاموا كل أمور دنياهم ودينهم خير قيام بدون اللغة العربية وذلك في عهود الكتب السماوية السابقة
وهذا يبين لنا بجلاء أن الهدف من نزول القرآن ليس نصر اللغة العربية فحسب وإنما هناك أهداف أكبر من هذا وبكثير
لذا فقد أخطأ من ظن أن وجه التحدي محصور في فصاحة وبلاغة القرآن فحسب
ثم حتى لو خففنا عليكم المهمة فطالبناكم بحصر التحدي فقط في جانب الأسلوب اللفظي للقرآن، فقد كشفتم عن عجز أضحك من حولكم عليكم.
فالعرب كانوا يعرفون أقسام الكلام من نثر ونظم وشعر ونحو ذلك، فجاء القرآن بطريقة جديدة في الكلام وهي طريقة البدء بأحرف في كثير من السور وطريقة فواصل الآيات المختومة بكلمات متقاربة الوزن.
فنحن نريد منكم أن تأتوا بأسلوب جديد في الكلام لا يعرفه الناس من قبل، لا أن تحاكوا أسلوب القرآن كما يفعل مؤلفيكم في محاولاتهم المثيرة للضحك، فيقلدون القرآن في البدء بأحرف مقطعة، ويقلدون القرآن في فواصل الآيات، وهلم جرا ...
¥